و (جَمِيعاً) يظهر أنه اسم لمعنى كل أفراد ما يوصف بجميع ، وكأنه اسم مفرد يدل على التعدد مثل : فريق ، ولذلك يستوي فيه المذكر وغيره والواحد وغيره ، قال تعالى : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً) [هود : ٥٥] ونصبه على الحال ، وهو هنا حال من ضمير (اهْبِطا).
وجملة (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) حال ثانية من ضمير (اهْبِطا). فالمأمور بالهبوط من الجنة آدم وإبليس وأما حواء فتبع لزوجها.
والخطاب في قوله (بَعْضُكُمْ) خطاب لآدم وإبليس. وخوطبا بضمير الجمع لأنه أريد عداوة نسليهما ، فإنهما أصلان لنوعين نوع الإنسان ونوع الشيطان.
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (١٢٧)
تفريع جملة (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) على الأمر بالهبوط من الجنة إلى الدنيا إنباء بأنهم يستقبلون في هذه الدنيا سيرة غير التي كانوا عليها في الجنة لأنّهم أودعوا في عالم خليط خيره بشرّه ، وحقائقه بأوهامه ، بعد أن كانوا في عالم الحقائق المحضة والخير الخالص ، وفي هذا إنباء بطور طرأ على أصل الإنسان في جبلته كان معدّا له من أصل تركيبه.
والخطاب في قوله (يَأْتِيَنَّكُمْ) لآدم باعتبار أنه أصل لنوع الإنسان إشعارا له بأنه سيكون منه جماعة ، ولا يشمل هذا الخطاب إبليس لأنه مفطور على الشر والضلال إذ قد أنبأه الله بذلك عند إبايته السجود لآدم ، فلا يكلفه الله باتباع الهدى ، لأن طلب الاهتداء ممن أعلمه الله بأنه لا يزال في ضلال يعد عبثا ينزه عنه فعل الحكيم تعالى. وليس هذا مثل أمر أبي جهل وأضرابه بالإسلام إذ أمثال أبي جهل لا يوقن بأنهم لا يؤمنون ، ولم يرد في السنّة أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا الشيطان للإسلام ولا دعا الشياطين ، وأما الحديث الذي رواه الدارقطني أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجنّ ، قالوا : وإياك يا رسول الله؟ قال : وإياي ولكن الله أعانني فأسلم». فلا يقتضي أنه دعاه للإسلام ولكن الله ألهم قرينه إلى أن يأمره بالخير ، والمراد بالقرين : شيطان قرين ، والمراد بالهدى : الإرشاد إلى الخير.