وجيء بالفعل المضارع في (وَيَوْمَ يَمُوتُ) لاستحضار الحالة التي مات فيها ، ولم تذكر قصة قتله في القرآن إلّا إجمالا.
[١٦ ـ ٢١] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) الَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١))
جملة (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ) عطف على جملة (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) [مريم : ٢] عطف القصة على القصة فلا يراعى حسن اتّحاد الجملتين في الخبرية والإنشائية ، على أن ذلك الاتحاد ليس بملتزم. على أنك علمت أن الأحسن أن يكون قوله (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) مصدرا وقع بدلا من فعله.
والمراد بالذكر : التّلاوة ، أي اتل خبر مريم الذي نقصّه عليك.
وفي افتتاح القصة بهذا زيادة اهتمام بها وتشويق للسامع أن يتعرفها ويتدبرها.
والكتاب : القرآن ، لأنّ هذه القصة من جملة القرآن. وقد اختصت هذه السورة بزيادة كلمة (فِي الْكِتابِ) بعد كلمة (وَاذْكُرْ). وفائدة ذلك التنبيه إلى أن ذكر من أمر بذكرهم كائن بآيات القرآن وليس مجرد ذكر فضله في كلام آخر من قول النبيصلىاللهعليهوسلم كقوله : «لو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي».
ولم يأت مثل هذه الجملة في سورة أخرى لأنه قد حصل علم المراد في هذه السورة فعلم أنه المراد في بقية الآيات التي جاء فيها لفظ (اذْكُرْ). ولعل سورة مريم هي أول سورة أتى فيها لفظ (وَاذْكُرْ) في قصص الأنبياء فإنها السورة الرابعة والأربعون في عدد نزول السور.
و (إِذِ) ظرف متعلق ب (اذْكُرْ) باعتبار تضمنه معنى القصة والخبر ، وليس متعلقا به في ظاهر معناه لعدم صحة المعنى.
ويجوز أن يكون (إذ) مجرد اسم زمان غير ظرف ويجعل بدلا من (مريم) ، أي اذكر زمن انتباذها مكانا شرقيا. وقد تقدم مثله في قوله (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا* إِذْ نادى