فنسيتها وعميت عنها فكذلك اليوم تنسى وتحشر أعمى.
والنسيان في الموضعين مستعمل كناية أو استعارة في الحرمان من حظوظ الرحمة.
وجملة (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) إلخ تذييل ، يجوز أن تكون من حكاية ما يخاطب الله به من يحشر يوم القيامة أعمى قصد منها التوبيخ له والتنكيل ، فالواو عاطفة الجملة على التي قبلها. ويجوز أن تكون تذييلا للقصّة وليست من الخطاب المخاطب به من يحشر يوم القيامة أعمى قصد منها موعظة السامعين ليحذروا من أن يصيروا إلى مثل ذلك المصير. فالواو اعتراضية لأن التذييل اعتراض في آخر الكلام ، والواو الاعتراضية راجعة إلى الواو العاطفة إلّا أنها عاطفة مجموع كلام على مجموع كلام آخر لا على بعض الكلام المعطوف عليه.
والمعنى : ومثل ذلك الجزاء نجزي من أسرف ، أي كفر ولم يؤمن بآيات ربّه.
فالإسراف : الاعتقاد الضال وعدم الإيمان بالآيات ومكابرتها وتكذيبهما.
والمشار إليه بقوله (وَكَذلِكَ) هو مضمون قوله (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) ، أي وكذلك نجزي في الدنيا الذين أسرفوا ولم يؤمنوا بالآيات.
وأعقبه بقوله (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) ، وهذا يجوز أن يكون تذييلا للقصة وليس من حكاية خطاب الله للذي حشره يوم القيامة أعمى. فالمراد بعذاب الآخرة مقابل عذاب الدنيا المفاد من قوله (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) الآية ، والواو اعتراضية. ويجوز أن تكون الجملة من حكاية خطاب الله للذي يحشره أعمى ، فالمراد بعذاب الآخرة العذاب الذي وقع فيه المخاطب ، أي أشد من عذاب الدنيا وأبقى منه لأنّه أطول مدة.
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨))
تفريع على الوعيد المتقدم في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) [طه : ١٢٧]. جعل الاستفهام الإنكاري التعجيبي مفرعا على الإخبار بالجزاء بالمعيشة الضنك لمن أعرض عن توحيد الله لأنه سبب عليه لا محالة ، تعجيبا من حال غفلة المخاطبين المشركين عما حلّ بالأمم المماثلة لهم في الإشراك والإعراض عن كتب