والفتنة : اضطراب النفس وتبلبل البال من خوف أو توقع أو التواء الأمور ، وكانوا لا يخلون من ذلك ، فلشركهم يقذف الله في قلوبهم الغم والتوقع ، وفتنتهم في الآخرة ظاهرة. فالظرفية هنا كالتي في قول سبرة بن عمرو الفقعسي :
نحابي بها أكفاءنا ونهينها |
|
ونشرب في أثمانها ونقامر |
وقوله تعالى : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) في سورة النساء [٥].
وجملة (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) تذييل ، لأن قوله (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) إلى آخره يفيد أن ما يبدو للناظر من حسن شارتهم مشوب ومبطّن بفتنة في النفس وشقاء في العيش وعقاب عليه في الآخرة ، فذيل بأن الرزق الميسّر من الله للمؤمنين خير من ذلك وأبقى في الدنيا ومنفعته باقية في الآخرة لما يقارنه في الدنيا من الشكر.
فإضافة (رِزْقُ رَبِّكَ) إضافة تشريف ، وإلا فإن الرزق كلّه من الله ، ولكن رزق الكافرين لما خالطه وحف به حال أصحابه من غضب الله عليهم ، ولما فيه من التبعة على أصحابه في الدنيا والآخرة لكفرانهم النعمة جعل كالمنكور انتسابه إلى الله ، وجعل رزق الله هو السالم من ملابسة الكفران ومن تبعات ذلك.
و (خَيْرٌ) تفضيل ، والخيرية حقيقة اعتبارية تختلف باختلاف نواحيها. فمنها : خير لصاحبه في العاجل شرّ عليه في الآجل ، ومنها خير مشوب بشرور وفتن ، وخير صاف من ذلك ، ومنها ملائم ملاءمة قوية ، وخير ملائم ملاءمة ضعيفة ، فالتفضيل باعتبار توفر السلامة من العواقب السيّئة والفتن كالمقرون بالقناعة ، فتفضيل الخيرية جاء مجملا يظهر بالتدبر.
(وَأَبْقى) تفضيل على ما متّع به الكافرون لأنّ في رزق الكافرين بقاء ، وهو أيضا يظهر بقاؤه بالتدبّر فيما يحف به وعواقبه.
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢))
ذكر الأهل هنا مقابل لذكر الأزواج في قوله (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) [طه : ١٣١] فإن من أهل الرجل أزواجه ، أي متعتك ومتعة أهلك الصلاة فلا تلفتوا إلى زخارف الدنيا. وأهل الرجل يكونون أمثل من ينتمون إليه.