آية للناس ورحمة كرامة للغلام ، فوقع التفات من طريقة الغيبة إلى طريقة التكلم.
وجملة (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) يجوز أن تكون من قول الملك ، ويجوز أن تكون مستأنفة. وضمير (كانَ) عائد إلى الوهب المأخوذ من قوله (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً).
وهذا قطع للمراجعة وإنباء بأن التخليق قد حصل في رحمها.
[٢٢ ـ ٢٣] (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣))
الفاء للتفريع والتعقيب ، أي فحملت بالغلام في فور تلك المراجعة.
والحمل : العلوق ، يقال : حملت المرأة ولدا ، وهو الأصل ، قال تعالى : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً) [الأحقاف : ١٥]. ويقال : حملت به. وكأن الباء لتأكيد اللصوق ، مثلها في (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦]. قال أبو كبير الهذلي :
حملت به في ليلة مزءودة |
|
كرها وعقد نطاقها لم يحلل |
والانتباذ تقدم قريبا ، وكذلك انتصاب (مَكاناً) تقدم.
و (قَصِيًّا) بعيدا ، أي بعيدا عن مكان أهلها. قيل : خرجت إلى البلاد المصرية فارّة من قومها أن يعزّروها وأعانها خطيبها يوسف النجّار وأنها ولدت عيسى عليهالسلام في الأرض المصرية. ولا يصح.
وفي إنجيل لوقا : أنها ولدته في قرية بيت لحم من البلاد اليهودية حين صعدت إليها مع خطيبها يوسف النجار إذ كان مطلوبا للحضور بقرية أهله لأن ملك البلاد يجري إحصاء سكان البلاد ، وهو ظاهر قوله تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) [مريم : ٢٧].
والفاء في قوله : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) للتعقيب العرفي ، أي جاءها المخاض بعد تمام مدة الحمل ، قيل بعد ثمانية أشهر من حملها.
وأجاءها معناه ألجأها ، وأصله جاء ، عدي بالهمزة فقيل : أجاءه ، أي جعله جائيا. ثم أطلق مجازا على إلجاء شيء شيئا إلى شيء ، كأنه يجيء به إلى ذلك الشيء ، ويضطره إلى المجيء إليه. قال الفراء : أصله من جئت وقد جعلته العرب إلجاء. وفي المثل «شرّ ما يجيئك إلى مخّة عرقوب». وقال زهير :