والنون في قوله (تَرَيِنَ) نون التوكيد الشديدة اتصلت بالفعل الذي صار آخره ياء بسبب حذف نون الرفع لأجل حرف الشرط فحركت الياء بحركة مجانسة لها كما هو الشأن مع نون التوكيد الشديدة.
والإنسي : الإنسان ، والياء فيه للنسب إلى الإنس ، وهو اسم جمع إنسان ، فياء النسب لإفادة فرد من الجنس مثل : ياء حرسي لواحد من الحرس. وهذا نكرة في سياق النفي يفيد العموم ، أي لن أكلم أحدا.
وعدل عن أحد إلى (إِنْسِيًّا) للرّعي على فاصلة الياء ، وليس ذلك احترازا عن تكليمها الملائكة إذ لا يخطر ذلك بالبال عند المخاطبين بمن هيئت لهم هذه المقالة فالحمل عليه سماجة.
[٢٧ ـ ٢٨] (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨))
دلت الفاء على أنّ مريم جاءت أهلها عقب انتهاء الكلام الذي كلّمها ابنها. وفي إنجيل لوقا : أنها بقيت في بيت لحم إلى انتهاء واحد وأربعين يوما ، وهي أيام التطهير من دم النّفاس ، فعلى هذا يكون التّعقيب المستفاد من الفاء تعقيبا عرفيا مثل : تزوّج فولد له.
و (قَوْمَها) : أهل محلتها. وجملة (تَحْمِلُهُ) حال من تاء (فَأَتَتْ). وهذه الحال للدلالة على أنها أتت معلنة به غير ساترة لأنها قد علمت أن الله سيبرئها ممّا يتهم به مثل من جاء في حالتها.
وجملة (قالُوا يا مَرْيَمُ) مستأنفة استئنافا بيانيا. وقال قومها هذه المقالة توبيخا لها.
وفريّ : فعيل من فرى من ذوات الياء. ولهذا اللفظ عدّة إطلاقات ، وأظهر محامله هنا أنه الشنيع في السوء ، قاله مجاهد والسدّي ، وهو جاء من مادة افترى إذا كذب لأن المرأة تنسب ولدها الذي حملت به من زنى إلى زوجها كذبا. ومنه قوله تعالى : (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) [الممتحنة : ١٢].
ومن أهل اللغة من قال : إن الفريّ والفرية مشتقان من الإفراء بالهمز ، وهو قطع الجلد لإفساده أو لتحريقه ، تفرقة بين أفرى وفرى ، وأن فرى المجرد للإصلاح.
والأخت : مؤنث الأخ ، اسم يضاف إلى اسم آخر ، فيطلق حقيقة على ابنة أبوي ما