في قوله (آتانِيَ الْكِتابَ).
والزّكاة : الصدقة. والمراد : أن يصلّي ويزكّي. وهذا أمر خاص به كما أمر نبيئناصلىاللهعليهوسلم بقيام الليل ، وقرينة الخصوص قوله (ما دُمْتُ حَيًّا) لدلالته على استغراق مدة حياته بإيقاع الصلاة والصدقة ، أي أن يصلي ويتصدّق في أوقات التمكن من ذلك ، أي غير أوقات الدعوة أو الضرورات.
فالاستغراق المستفاد من قوله (ما دُمْتُ حَيًّا) استغراق عرفي مراد به الكثرة ؛ وليس المراد الصلاة والصدقة المفروضتين على أمته ، لأن سياق الكلام في أوصاف تميّز بها عيسىعليهالسلام ، ولأنه لم يأت بشرع صلاة زائدة على ما شرع في التوراة.
والبرّ ـ بفتح الباء ـ : اسم بمعنى البار. وتقدم آنفا. وقد خصه الله تعالى بذلك بين قومه ، لأن برّ الوالدين كان ضعيفا في بني إسرائيل يومئذ ، وبخاصة الوالدة لأنها تستضعف ، لأن فرط حنانها ومشقتها قد يجرءان الولد على التساهل في البرّ بها.
والجبّار : المتكبر الغليظ على الناس في معاملتهم. وقد تقدم في سورة هود [٥٩] قوله: (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).
والشقيّ : الخاسر والذي تكون أحواله كدرة له ومؤلمة ، وهو ضدّ السعيد. وتقدّم عند قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) في آخر سورة هود [١٠٥].
ووصف الجبار بالشقي باعتبار ما له في الآخرة وربما في الدنيا.
وقوله (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) إلى آخره ، تنويه بكرامته عند الله ، أجراه على لسانه ليعلموا أنه بمحل العناية من ربّه ، والقول فيه تقدّم في آية ذكر يحيى.
وجيء بالسّلام هنا معرّفا باللام الدالة على الجنس مبالغة في تعلّق السلام به حتى كان جنس السلام بأجمعه عليه. وهذا مؤذن بتفضيله على يحيى إذ قيل في شأنه (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) [مريم : ١٥] ، وذلك هو الفرق بين المعرّف بلام الجنس وبين النكرة.
ويجوز جعل اللام للعهد ، أي سلام إليه ، وهو كناية عن تكريم الله عبده بالثناء عليه في الملأ الأعلى وبالأمر بكرامته. ومن هذا القبيل السلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦] ، وما أمرنا به في التشهد في الصلاة من قول المتشهد : «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».