ومؤذن أيضا بتمهيد التّعريض باليهود إذ طعنوا فيه وشتموه في الأحوال الثلاثة ، فقالوا : ولد من زنى ، وقالوا : مات مصلوبا ، وقالوا : يحشر مع الملاحدة والكفرة ، لأنهم يزعمون أنه كفر بأحكام من التوراة.
[٣٤ ـ ٣٥] (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥))
اعتراض بين الجمل المقولة في قوله : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم : ٣٠] مع قوله : (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) [مريم : ٣٦] ، أي ذلك المذكور هو عيسى ابن مريم لا كما تزعم النصارى واليهود.
والإشارة لتمييز المذكور أكمل تمييز تعريضا بالرد على اليهود والنصارى جميعا ، إذ أنزله اليهود إلى حضيض الجناة ، ورفعه النصارى إلى مقام الإلهية ، وكلاهما مخطئ مبطل ، أي ذلك هو عيسى بالحق ، وأما من تصفونه فليس هو عيسى لأن استحضار الشخص بصفات غير صفاته تبديل لشخصيته ، فلما وصفوه بغير ما هو صفته جعلوا بمنزلة من لا يعرفونه فاجتلب اسم الإشارة ليتميز الموصوف أكمل تمييز عند الذين يريدون أن يعرفوه حق معرفته. والمقصود بالتمييز تمييز صفاته الحقيقية عن الصفات الباطلة التي ألصقوها به لا تمييز ذاته عن الذوات إذ ليست ذاته بحاضرة وقت نزول الآية ، أي تلك حقيقة عيسى عليهالسلام وصفته.
و (قَوْلَ الْحَقِ) قرأه الجمهور بالرفع ، وقرأه ابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب بالنصب ؛ فأما الرفع فهو خبر ثان عن اسم الإشارة أو وصف لعيسى أو بدل منه ، وأما النصب فهو حال من اسم الإشارة أو من عيسى.
ومعنى (قَوْلَ الْحَقِ) أن تلك الصفات التي سمعتم هي قول الحق ، أي مقول هو الحق وما خالفها باطل ، أو أن عيسى عليهالسلام هو قول الحق ، أي مقول الحق ، أي المكون من قول (كن) ، فيكون مصدرا بمعنى اسم المفعول كالخلق في قوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ) [لقمان : ١١].
وجوّز أبو علي الفارسي أن يكون نصب (قَوْلَ الْحَقِ) بتقدير : أحقّ قول الحق ، أي هو مصدر مؤكّد لمضمون الجملة قبله منصوب بفعل محذوف وجوبا ، تقديره : أحقّ قول الحق. ويجوز أن يكون (قَوْلَ الْحَقِ) مصدرا نائبا عن فعله ، أي أقول قول الحق. وعلى