هذين الوجهين يكون اعتراضا. ويجوز أن يكون (قَوْلَ) مصدرا بمعنى الفاعل صفة لعيسى أو حالا منه ، أي قائل الحق إذ قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) إلى قوله : (أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ٣٠ ـ ٣٣].
و (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) صفة ثانية أو حال ثانية أو خبر ثان عن (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) على ما يناسب الوجوه المتقدمة.
والامتراء : الشكّ ، أي الذي فيه يشكون ، أي يعتقدون اعتقادا مبناه الشك والخطأ ، فإن عاد الموصول إلى القول فالامتراء فيه هو الامتراء في صدقه ، وإن عاد إلى عيسى فالامتراء فيه هو الامتراء في صفاته بين رافع وخافض.
وجملة (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) تقرير لمعنى العبودية ، أو تفصيل لمضمون جملة (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) فتكون بمنزلة بدل البعض أو الاشتمال منها ، اكتفاء بإبطال قول النصارى بأن عيسى ابن الله ، لأنه أهم بالإبطال ، إذ هو تقرير لعبودية عيسى وتنزيه لله تعالى عما لا يليق بجلال الألوهيّة من اتخاذ الولد ومن شائبة الشرك ، ولأنه القول الناشئ عن الغلوّ في التقديس ، فكان فيما ذكر من صفات المدح لعيسى ما قد يقوي شبهتهم فيه بخلاف قول اليهود فقد ظهر بطلانه بما عدد لعيسى من صفات الخير.
وصيغة (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ) تفيد انتفاء الولد عنه تعالى بأبلغ وجه لأنّ لام الجحود تفيد مبالغة النّفي ، وأنه مما لا يلاقي وجود المنفي عنه ، ولأن في قوله : (أَنْ يَتَّخِذَ) إشارة إلى أنه لو كان له ولد لكان هو خلقه ، واتّخذه فلم يعد أن يكون من جملة مخلوقاته ، فإثبات النبوّة له خلف من القول.
وجملة (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) بيان لجملة (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) ، لإبطال شبهة النصارى إذ جعلوا تكوين إنسان بأمر التكوين عن غير سبب معتاد دليلا على أن المكوّن ابن لله تعالى ، فأشارت الآية إلى أن هذا يقتضي أن تكون أصول الموجودات أبناء لله وإن كان ما يقتضيه لا يخرج عن الخضوع إلى أمر التكوين.
وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦))
يجوز أن يكون هذا بقية لكلام جرى على لسان عيسى تأييدا لبراءة أمّه وما بينهما اعتراض كما تقدم آنفا.
والمعنى : تعميم ربوبية الله تعالى لكل الخلق.