سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١٥٣].
(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧))
الفاء لتفريع الإخبار بحصول الاختلاف على الإخبار بأن هذا صراط مستقيم ، أي حاد عن الصراط المستقيم الأحزاب فاختلفوا بينهم في الطرائق التي سلكوها ، أي هذا صراط مستقيم لا يختلف سالكوه اختلافا أصليا ، فسلك الأحزاب طرقا أخرى هي حائدة عن الصراط المستقيم فلم يتفقوا على شيء.
وقوله (مِنْ بَيْنِهِمْ) متعلّق باختلف. و (من) حرف توكيد ، أي اختلفوا بينهم.
والمراد بالأحزاب أحزاب النصارى ، لأن الاختلاف مؤذن بأنهم كانوا متفقين ولم يكن اليهود موافقين النصارى في شيء من الدين. وقد كان النصارى على قول واحد على التّوحيد في حياة الحواريين ثم حدث الاختلاف في تلاميذهم. وقد ذكرنا في تفسير قوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) في سورة النساء [١٧١] أن الاختلاف انحلّ إلى ثلاثة مذاهب : الملكانيّة (وتسمى الجاثليقيّة) ؛ واليعقوبية ، والنسطورية. وانشعبت من هذه الفرق عدّة فرق ذكرها الشهرستاني ، ومنها الاليانة ، والبليارسية ، والمقدانوسية ، والسبالية ، والبوطينوسية ، والبولية ، إلى فرق أخرى. منها فرقة كانت في العرب تسمى الرّكوسية ورد ذكرها في الحديث : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لعدي بن حاتم : إنّك ركوسي». قال أهل اللغة هي نصرانية مشوبة بعقائد الصابئة. وحدثت بعد ذلك فرقة الاعتراضية (البروتستان) أتباع (لوثير). وأشهر الفرق اليوم هي الملكانية (كاثوليك) ، واليعقوبية (أرثودوكس) ، والاعتراضية (بروتستان). ولما كان اختلافهم قد انحصر في مرجع واحد يرجع إلى إلهية عيسى اغترارا وسوء فهم في معنى لفظ (ابن) الذي ورد صفة للمسيح في الأناجيل مع أنه قد وصف بذلك فيها أيضا أصحابه. وقد جاء في التوراة أيضا «أنتم أبناء الله». وفي إنجيل متى الحواري وإنجيل يوحنا الحواري كلمات صريحة في أن المسيح ابن إنسان وأن الله إلهه وربّه ، فقد انحصرت مذاهبهم في الكفر بالله فلذلك ذيل بقوله (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ، فشمل قوله (الّذين كفروا) هؤلاء المخبر عنهم من النصارى وشمل المشركين غيرهم.
والمشهد صالح لمعان ، وهو أن يكون مشتقا من المشاهدة أو من الشهود ، ثمّ إما أن يكون مصدرا ميميا في المعنيين أو اسم مكان لهما أو اسم زمان لهما ، أي يوم فيه