ومعنى (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) استمرار عدم إيمانهم إلى حلول قضاء الأمر يوم الحسرة. فاختيار صيغة المضارع فيه دون صيغة اسم الفاعل لما يدلّ عليه المضارع من استمرار الفعل وقتا فوقتا استحضارا لذلك الاستمرار العجيب في طوله وتمكنه.
(إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠))
تذييل لختم القصة على عادة القرآن في تذييل الأغراض عند الانتقال منها إلى غيرها. والكلام موجّه إلى المشركين لإبلاغه إليهم.
وضمير (يُرْجَعُونَ) عائد إلى (مَنْ عَلَيْها) وإلى ما عاد إليه ضمير الغيبة في (وَأَنْذِرْهُمْ) [مريم : ٣٩].
وحقيقة الإرث : مصير مال الميت إلى من يبقى بعده. وهو هنا مجاز في تمحض التصرف في الشيء دون مشارك. فإن الأرض كانت في تصرف سكانها من الإنسان والحيوان كلّ بما يناسبه ، فإذا هلك الناس والحيوان فقد صاروا في باطن الأرض وصارت الأرض في غير تصرفهم فلم يبق تصرف فيها إلا لخالقها ، وهو تصرف كان في ظاهر الأمر مشتركا بمقدار ما خولهم الله التصرف فيها إلى أجل معلوم ، فصار الجميع في محض تصرف الله ، ومن جملة ذلك تصرفه بالجزاء.
وتأكيد جملة (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) بحرف التوكيد لدفع الشك لأن المشركين ينكرون الجزاء ، فهم ينكرون أن الله يرث الأرض ومن عليها بهذا المعنى.
وأما ضمير الفصل في قوله (نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) فهو لمجرد التأكيد ولا يفيد تخصيصا ، إذ لا يفيد ردّ اعتقاد مخالف لذلك.
وظهر لي : أن مجيء ضمير الفصل بمجرد التأكيد كثير إذا وقع ضمير الفصل بعد ضمير آخر نحو قوله (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) في سورة طه [١٤] ، وقوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) في سورة يوسف [٣٧].
وأفاد هذا التذييل التعريف بتهديد المشركين بأنهم لا مفرّ لهم من الكون في قبضة الربّ الواحد الذي أشركوا بعبادته بعض ما على الأرض ، وأن آلهتهم ليست بمرجوة لنفعهم إذ ما هي إلّا مما يرثه الله.