والنداء في قوله (يا إِبْراهِيمُ) تكملة لجملة الإنكار والتعجب ، لأنّ المتعجب من فعله مع حضوره يقصد بندائه تنبيهه على سوء فعله ، كأنه في غيبة عن إدراك فعله ، فالمتكلم ينزله منزلة الغائب فيناديه لإرجاع رشده إليه ، فينبغي الوقف على قوله (يا إِبْراهِيمُ).
وجملة (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) مستأنفة.
واللام موطئة للقسم تأكيدا لكونه راجمه إن لم ينته عن كفره بآلهتهم.
والرجم : الرمي بالحجارة ، وهو كناية مشهورة في معنى القتل بذلك الرمي. وإسناد أبي إبراهيم ذلك إلى نفسه يحتمل الحقيقة ؛ إما لأنه كان من عادتهم أن الوالد يتحكم في عقوبة ابنه ، وإما لأنه كان حاكما في قومه. ويحتمل المجاز العقلي إذ لعله كان كبيرا في دينهم فيرجم قومه إبراهيم استنادا لحكمه بمروقه عن دينهم.
وجملة (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) عطف على جملة (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) ؛ وذلك أنه هدّده بعقوبة آجلة إن لم يقلع عن كفره بآلهتهم ، وبعقوبة عاجلة وهي طرده من معاشرته وقطع مكالمته.
والهجر : قطع المكالمة وقطع المعاشرة ، وإنما أمر أبو إبراهيم ابنه بهجرانه ولم يخبره بأنه هو يهجره ليدلّ على أن هذا الهجران في معنى الطرد والخلع إشعارا بتحقيره.
و (مَلِيًّا) : طويلا ، وهو فعيل ، ولا يعرف له فعل مجرد ولا مصدر. فمليّ مشتق من مصدر ممات ، وهو فعيل بمعنى فاعل لأنه يقال : أملى له ، إذا أطال له المدة ، فيأتون بهمزة التعدية ، ف (مَلِيًّا) صفة لمصدر محذوف منصوب على المفعولية المطلقة ، أي هجرا مليّا ، ومنه الملاوة من الدهر للمدة المديدة من الزمان ، وهذه المادة تدلّ على كثرة الشيء.
ويجوز أن ينتصب على الصفة لظرف محذوف ، أي زمانا طويلا ، بناء على أن الملا مقصورا غالب في الزمان فذكره يغني عن ذكر موصوفه كقوله تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ) [القمر : ١٣] ، أي سفينة ذات ألواح.
[٤٧ ، ٤٨] (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨))