ذلك المجلس ، لأن أباه واحد منهم وأمرهم سواء ، أو كان هذا المقال جرى بمحضر جماعة منهم.
وعطف على ضمير القوم أصنامهم للإشارة إلى عداوته لتلك الأصنام إعلانا بتغيير المنكر.
وعبر عن الأصنام بطريق الموصولية بقوله (ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) للإيماء إلى وجه بناء الخبر وعلّة اعتزاله إياهم وأصنامهم : بأن تلك الأصنام تعبد من دون الله وأن القوم يعبدونها ، فذلك وجه اعتزاله إياهم وأصنامهم.
والدعاء : العبادة ، لأنها تستلزم دعاء المعبود.
وزاد على الإعلان باعتزال أصنامهم الإعلان بأنه يدعو الله احتراسا من أن يحسبوا أنه نوى مجرد اعتزال عبادة أصنامهم فربما اقتنعوا بإمساكه عنهم ، ولذا بيّن لهم أنه بعكس ذلك يدعو الله الذي لا يعبدونه.
وعبّر عن الله بوصف الربوبية المضاف إلى ضمير نفسه للإشارة إلى انفراده من بينهم بعبادة الله تعالى فهو ربّه وحده من بينهم ، فالإضافة هنا تفيد معنى القصر الإضافي ، مع ما تتضمنه الإضافة من الاعتزاز بربوبية الله إياه والتشريف لنفسه بذلك.
وجملة (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) في موضع الحال من ضمير (وَأَدْعُوا) أي راجيا أن لا أكون بدعاء ربي شقيا. وتقدم معناه عند قوله (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) في هذه السورة [٤]. وفي إعلانه هذا الرجاء بين ظهرانيهم تعريض بأنهم أشقياء بدعاء آلهتهم.
[٤٩ ، ٥٠] (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠))
طوي ذكر اعتزاله إياهم بعد أن ذكر عزمه عليه إيجازا في الكلام للعلم بأن مثله لا يعزم أمرا إلّا نفذ عزمه ، واكتفاء بذكر ما ترتّب عليه من جعل عزمه حدثا واقعا قد حصل جزاؤه عليه من ربّه ، فإنه لما اعتزل أباه وقومه واستوحش بذلك الفراق وهبه الله ذرية يأنس بهم إذ وهبه إسحاق ابنه ، ويعقوب ابن ابنه ، وجعلهما نبيئين. وحسبك بهذه مكرمة له عند ربّه.