وقد سجد النبي صلىاللهعليهوسلم عند هذه الآية وسنّ ذلك لأمته.
[٥٩ ـ ٦٣] (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣))
فرع على الثناء عليهم اعتبار وتنديد بطائفة من ذرياتهم لم يقتدوا بصالح أسلافهم وهم المعني بالخلف.
والخلف ـ بسكون اللام ـ عقب السوء ، و ـ بفتح اللام ـ عقب الخير. وتقدم عند قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ) في سورة الأعراف [١٦٩].
وهو هنا يشمل جميع الأمم التي ضلّت لأنها راجعة في النّسب إلى إدريس جدّ نوح إذ هم من ذرية نوح ومن يرجع أيضا إلى إبراهيم ، فمنهم من يدلي إليه من نسل إسماعيل وهم العرب. ومنهم من يدلي إليه من نسل يعقوب وهم بنو إسرائيل.
ولفظ (مِنْ بَعْدِهِمْ) يشمل طبقات وقرونا كثيرة ، ليس قيدا لأنّ الخلف لا يكون إلّا من بعد أصله وإنّما ذكر لاستحضار ذهاب الصالحين.
والإضاعة : مجاز في التفريط بتشبيهه بإهمال العرض النفيس ، فرطوا في عبادة الله واتبعوا شهواتهم فلم يخالفوا ما تميل إليه أنفسهم ممّا هو فساد. وتقدم قوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) في سورة الكهف [٣٠].
والصلاة : عبادة الله وحده.
وهذان وصفان جامعان لأصناف الكفر والفسوق ، فالشرك إضاعة للصلاة لأنّه انصراف عن الخضوع لله تعالى ، فالمشركون أضاعوا الصلاة تماما ، قال تعالى : (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر : ٤٣]. والشرك : اتباع للشّهوات ، لأنّ المشركين اتّبعوا عبادة الأصنام لمجرد الشهوة من غير دليل ، وهؤلاء هم المقصود هنا ، وغير المشركين كاليهود والنصارى فرطوا في صلوات واتبعوا شهوات ابتدعوها ، ويشمل ذلك كله اسم الغيّ.
والغيّ : الضلال ، ويطلق على الشرّ ، كما أطلق ضده وهو الرشد على الخير في قوله تعالى : (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) [الجنّ : ١٠] وقوله (قُلْ إِنِّي لا