أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) [الجنّ : ٢١]. فيجوز أن يكون المعنى فسوف يلقون جزاء غيّهم ، كقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨] أي جزاء الآثام. وتقدم الغيّ في قوله تعالى : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) وقوله (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) كلاهما في سورة الأعراف [٢٠٢ و ١٤٦]. وقرينة ذلك مقابلته في ضدهم بقوله (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ).
وحرف (سوف) دال على أن لقاءهم الغيّ متكرر في أزمنة المستقبل مبالغة في وعيدهم وتحذيرا لهم من الإصرار على ذلك.
وقوله (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) جيء في جانبهم باسم الإشارة إشادة بهم وتنبيها لهم للترغيب في توبتهم من الكفر. وجيء بالمضارع الدّال على الحال للإشارة إلى أنهم لا يمطلون في الجزاء. والجنّة : علم لدار الثواب والنّعيم. وفيها جنّات كثيرة كما ورد في الحديث : «أو جنّة واحدة هي إنّها لجنان كثيرة».
والظلم : هنا بمعنى النقص والإجحاف والمطل. كقوله (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) في سورة الكهف [٣٣].
وشيء : اسم بمعنى ذات أو موجود وليس المراد مصدر الظلم.
وذكر (شَيْئاً) في سياق النفي يفيد نفي كل فرد من أفراد النقص والإجحاف والإبطاء ، فيعلم انتفاء النقص القوي بالفحوى دفعا لما عسى أن يخالج نفوسهم من الانكسار بعد الإيمان يظن أنّ سبق الكفر يحط من حسن مصيرهم.
و (جَنَّاتِ) بدل من (الْجَنَّةَ). جيء بصيغة جمع جنات مع أن المبدل منه مفرد لأنه يشتمل على جنات كثيرة كما علمت ، وهو بدل مطابق وليس بدل اشتمال.
و (عَدْنٍ) : الخلد والإقامة ، أي جنات خلد ووصفها ب (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ) لزيادة تشريفها وتحسينها. وفي ذلك إدماج لتبشير المؤمنين السابقين في أثناء وعد المدعوين إلى الإيمان.
والغيب : مصدر غاب ، فكل ما غاب عن المشاهدة فهو غيب.
وتقدم في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) في أول البقرة [٣].
والباء في (بِالْغَيْبِ) للظرفية ، أي وعدها إياهم في الأزمنة الغائبة عنهم. أي في