وجملة (تِلْكَ الْجَنَّةُ) مستأنفة ابتدائية. واسم الإشارة لزيادة التمييز تنويها بشأنها وأجريت عليها الصفة بالموصول وصلته تنويها بالمتقين وأنهم أهل الجنة كما قال تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٣].
و (نُورِثُ) نجعل وارثا ، أي نعطي الإرث. وحقيقة الإرث : انتقال مال القريب إلى قريبه بعد موته لأنّه أولى الناس بماله فهو انتقال مقيّد بحالة. واستعير هنا للعطيّة المدّخرة لمعطاها ، تشبيها بمال الموروث الذي يصير إلى وارثه آخر الأمر.
وقرأ الجمهور (نُورِثُ) بسكون الواو بعد الضمة وتخفيف الراء ، وقرأه رويس عن يعقوب : نورّث ـ بفتح الواو تشديد الراء ـ من ورّثه المضاعف.
(وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤))
موقع هذه الآية هنا غريب. فقال جمهور المفسرين : إن سبب نزولها أنّ جبريل عليهالسلام أبطأ أياما عن النزول إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وأنّ النبي ودّ أن تكون زيارة جبريل له أكثر مما هو يزوره فقال لجبريل : «ألا تزورنا أكثر ممّا تزورنا». فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) إلى آخر الآية. أي إلى قوله (نَسِيًّا) ، رواه البخاري والترمذي عن ابن عبّاس. وظاهره أنه رواية وهو أصح ما روي في سبب نزولها وأليقه بموقعها هنا. ولا يلتفت إلى غيره من الأقوال في سبب نزولها.
والمعنى : أن الله أمر جبريل عليهالسلام أن يقول هذا الكلام جوابا عنه ، فالنظم نظم القرآن بتقدير : وقل ما نتنزل إلّا بأمر ربّك ، أي قل يا جبريل ، فكان هذا خطابا لجبريل ليبلغه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قرآنا. فالواو عاطفة فعل القول المحذوف على الكلام الذي قبله عطف قصة على قصة مع اختلاف المخاطب ، وأمر الله رسوله أن يقرأها هنا ، ولأنّها نزلت لتكون من القرآن.
ولا شك أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال ذلك لجبريل عليهالسلام عند انتهاء قصص الأنبياء في هذه السورة فأثبتت الآية في الموضع الذي بلغ إليه نزول القرآن.
والضمير لجبريل والملائكة ، أعلم الله نبيئه على لسان جبريل أن نزول الملائكة لا يقع إلّا عن أمر الله تعالى وليس لهم اختيار في النزول ولقاء الرّسل ، قال تعالى : (لا