وعليه فكاف الخطاب في قوله (بِأَمْرِ رَبِّكَ) خطاب كلّ قائل لمخاطبه ، وهذا التجويز بناء على أنّ ما روي عن ابن عباس رأي له في تفسير الآية لا تتعيّن متابعته.
وعليه فجملة (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) من قول الله تعالى لرسوله تذييلا لما قبله ، أو هي من كلام أهل الجنّة ، أي وما كان ربّنا غافلا عن إعطاء ما وعدنا به.
(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥))
جملة مستأنفة من كلام الله تعالى كما يقتضيه قوله (فَاعْبُدْهُ) إلى آخره ذيل به الكلام الذي لقنه جبريل المتضمن : أن الملائكة لا يتصرفون إلّا عن إذن ربّهم وأنّ أحوالهم كلّها في قبضته بما يفيد عموم تصرفه تعالى في سائر الكائنات ، ثمّ فرع عليه أمر الرسولعليهالسلام بعبادته ، فقد انتقل الخطاب إليه.
وارتفع (رَبُّ السَّماواتِ) على الخبرية لمبتدإ محذوف ملتزم الحذف في المقام الذي يذكر فيه أحد بأخبار وأوصاف ثم يراد تخصيصه بخبر آخر. وهذا الحذف سمّاه السكاكي بالحذف الذي اتّبع فيه الاستعمال كقول الصولي أو ابن الزّبير ـ بفتح الزاي وكسر الموحدة ـ :
سأشكر عمرا إن تراخت منيتي |
|
أيادي لم تمنن وإن هي جلّت |
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه |
|
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت |
والسماوات : العوالم العلوية. والأرض : العالم السفلي ، وما بينهما : الأجواء والآفاق. وتلك الثلاثة تعم سائر الكائنات.
والخطاب في (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ) و (هَلْ تَعْلَمُ) للنبي صلىاللهعليهوسلم.
وتفريع الأمر بعبادته على ذلك ظاهر المناسبة ويحصل منه التخلّص إلى التنويه بالتّوحيد وتفظيع الإشراك.
والاصطبار : شدّة الصبر على الأمر الشاق ، لأنّ صيغة الافتعال ترد لإفادة قوّة الفعل. وكان الشأن أن يعدى الاصطبار بحرف (على) كما قال تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) [طه : ١٣٢] ولكنه عدي هنا باللّام لتضمينه معنى الثّبات. أي اثبت للعبادة ، لأنّ العبادة مراتب كثيرة من مجاهدة النفس ، وقد يغلب بعضها بعض النّفوس فتستطيع الصبر على بعض العبادات دون بعض كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم في صلاة العشاء : «هي