وقرأ الجمهور (أَوَلا يَذْكُرُ) بسكون الذال وضمّ الكاف ـ من الذكر ـ بضم الذال ـ. وقرأه أبو جعفر بفتح الذال وتشديد الكاف على أن أصله يتذكر فقلبت التاء الثانية ذالا لقرب مخرجيهما.
والشيء : هو الموجود ، أي إنا خلقناه ولم يك موجودا.
و (قبل) من الأسماء الملازمة للإضافة. ولما حذف المضاف إليه واعتبر مضافا إليه مجملا ولم يراع له لفظ مخصوص تقدّم ذكره بنيت (قبل) على الضمّ ، كقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤٠].
والتقدير : إنا خلقناه من قبل كلّ حالة هو عليها ، والتقدير في آية سورة الروم : لله الأمر من قبل كل حدث ومن بعده.
والمعنى : الإنكار على الكافرين أن يقولوا ذلك ولا يتذكروا حال النشأة الأولى فإنها أعجب عند الذين يجرون في مداركهم على أحكام العادة ، فإن الإيجاد عن عدم من غير سبق مثال أعجب وأدعى إلى الاستبعاد من إعادة موجودات كانت لها أمثلة. ولكنها فسدت هياكلها وتغيرت تراكيبها. وهذا قياس على الشاهد وإن كان القادر سواء عليه الأمران.
[٦٨ ـ ٧٠] (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠))
الفاء تفريع على جملة (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) [مريم : ٦٧] ، باعتبار ما تضمنته من التهديد. وواو القسم لتحقيق الوعيد. والقسم بالرب مضافا إلى ضمير المخاطب وهو النبي صلىاللهعليهوسلم إدماج لتشريف قدره.
وضمير (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) عائد إلى (الْإِنْسانُ) [مريم : ٦٦] المراد به الجنس المفيد للاستغراق العرفي كما تقدم ، أي لنحشرن المشركين.
وعطف (الشياطين) على ضمير المشركين لقصد تحقيرهم بأنهم يحشرون مع أحقر جنس وأفسده ، وللإشارة إلى أن الشياطين هم سبب ضلالهم الموجب لهم هذه الحالة ، فحشرهم مع الشياطين إنذار لهم بأن مصيرهم هو مصير الشياطين وهو محقق عند الناس