والمعنى : لنميزنّ من كلّ فرقة تجمعها محلة خاصة من دين الضلال من هو من تلك الشيعة أشدّ عصيانا لله وتجبّرا عليه. وهذا تهديد لعظماء المشركين مثل أبي جهل وأميّة بن خلف ونظرائهم.
و (أيّ) اسم موصول بمعنى (ما) و (من). والغالب أن يحذف صدر صلتها فتبنى على الضم. وأصل التركيب : أيّهم هو أشدّ عتيا على الرحمن. وذكر صفة الرحمن هنا لتفظيع عتوّهم ، لأنّ شديد الرّحمة بالخلق حقيق بالشكر له والإحسان لا بالكفر به والطغيان.
ولمّا كان هذا النّزع والتمييز مجملا ، فقد يزعم كل فريق أن غيره أشدّ عصيانا ، أعلم الله تعالى أنّه يعلم من هو أولى منهم بمقدار صلي النّار فإنّها دركات متفاوتة.
والصلي : مصدر صلي النار كرضي ، وهو مصدر سماعي بوزن فعول. وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص ، وخلف ـ بكسر الصاد ـ اتباعا لحركة اللّام ، كما تقدم في (جِثِيًّا).
وحرفا الجر يتعلقان بأفعل التفضيل.
[٧١ ـ ٧٢] (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢))
لمّا ذكر انتزاع الذين هم أولى بالنّار من بقية طوائف الكفر عطف عليه أنّ جميع طوائف الشرك يدخلون النار ، دفعا لتوهم أنّ انتزاع من هو أشد على الرحمن عتيا هو قصارى ما ينال تلك الطوائف من العذاب ؛ بأن يحسبوا أنّ كبراءهم يكونون فداء لهم من النّار أو نحو ذلك ، أي وذلك الانتزاع لا يصرف بقية الشيع عن النّار فإن الله أوجب على جميعهم النّار.
وهذه الجملة معترضة بين جملة (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) [مريم : ٦٨] إلخ وجملة (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [مريم : ٧٣] إلخ ...
فالخطاب في (وَإِنْ مِنْكُمْ) التفات عن الغيبة في قوله (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) و (لَنُحْضِرَنَّهُمْ) [مريم : ٦٨] ؛ عدل عن الغيبة إلى الخطاب ارتقاء في المواجهة بالتهديد حتى لا يبقى مجال للالتباس المراد من ضمير الغيبة فإن ضمير الخطاب أعرف من ضمير الغيبة. ومقتضى الظاهر أن يقال : وإن منهم إلا واردها. وعن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ (وَإِنَّ مِنْهُمْ).