تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) وهذا محمل باطل ، إذ ليس في هذه الآية قسم يتحلل ، وإنّما معنى الحديث : إن من استحق عذابا من المؤمنين لأجل معاص فإذا كان قد مات له ثلاثة من الولد كانوا كفارة له فلا يلج النّار إلّا ولوجا قليلا يشبه ما يفعل لأجل تحلة القسم ، أي التحلل منه. وذلك أن المقسم على شيء إذا صعب عليه بر قسمه أخذ بأقل ما يتحقق فيه ما حلف عليه ، فقوله «تحلة القسم» تمثيل.
ويروى عن بعض السلف روايات أنّهم تخوفوا من ظاهر هذه الآية ، من ذلك ما نقل عن عبد الله بن رواحة ، وعن الحسن البصري ، وهو من الوقوف في موقف الخوف من شيء محتمل.
وذكر فعل (نَذَرُ) هنا دون غيره للإشعار بالتحقير ، أي نتركهم في النار لا نعبأ بهم ، لأن في فعل الترك معنى الإهمال.
والحتم : أصله مصدر حتمه إذ جعله لازما ، وهو هنا بمعنى المفعول ، أي محتوما على الكافرين ، والمقضي : المحكوم به. وجثيّ تقدم.
وقرأ الجمهور ثم تنجي بفتح النون الثانية وتشديد الجيم ، وقرأه الكسائي بسكون النون الثانية وتخفيف الجيم.
[٧٣ ـ ٧٤] (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤))
عطف على قوله (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) [مريم : ٦٦] وهذا صنف آخر من غرور المشركين بالدنيا وإناطتهم دلالة على السعادة بأحوال طيب العيش في الدنيا فكان المشركون يتشففون على المؤمنين ويرون أنفسهم أسعد منهم.
والتّلاوة : القراءة. وقد تقدمت عند قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) في البقرة [١٠٢] ، وقوله : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) في أول الأنفال [٢]. كان النبي صلىاللهعليهوسلم يقرأ على المشركين القرآن فيسمعون آيات النعي عليهم وإنذارهم بسوء المصير ، وآيات البشارة للمؤمنين بحسن العاقبة ، فكان المشركون يكذّبون بذلك ويقولون : لو كان للمؤمنين خير لعجل لهم ، فنحن في نعمة وأهل سيادة ، وأتباع محمّد من عامة الناس ، وكيف يفوقوننا بل كيف يستوون معنا ، ولو كنا عند الله كما يقول