بمعان ، فقيل في معنى (كهيعص) إن حروفها مقتضبة من أسمائه تعالى : الكافي أو الكريم أو الكبير ، والهاء من هادي ، والياء من حكيم أو رحيم ، والعين من العليم أو العظيم ، والصاد من الصادق ، وقيل مجموعها اسم من أسمائه تعالى ، حتى قيل هو الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وقيل اسم من أسماء القرآن ، أي بتسمية جديدة ، وليس في ذلك حديث يعتمد.
[٢ ـ ٣] (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣))
افتتاح كلام ، فيتعيّن أن (ذِكْرُ) خبر مبتدأ محذوف ، مثله شائع الحذف في أمثال هذا من العناوين. والتقدير : هذا ذكر رحمة ربّك عبده. وهو بمعنى : اذكر. ويجوز أن يكون (ذِكْرُ) أصله مفعولا مطلقا نائبا عن عامله بمعنى الأمر ، أي اذكر ذكرا ، ثمّ حول عن النصب إلى الرفع للدلالة على الثبات كما حول في قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وقد تقدم في [سورة الفاتحة : ٢]. ويرجحه عطف (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ) [مريم : ١٦] ونظائره.
وقد جاء نظم هذا الكلام على طريقة بديعة من الإيجاز والعدول عن الأسلوب المتعارف في الإخبار ، وأصل الكلام : ذكر عبدنا زكرياء إذ نادى ربّه فقال : رب إلخ ... فرحمة ربّك ، فكان في تقديم الخبر بأن الله رحمه اهتمام بهذه المنقبة له ، والإنباء بأن الله يرحم من التجأ إليه ، مع ما في إضافة (رَبِ) إلى ضمير النبي صلىاللهعليهوسلم وإلى ضمير زكرياء من التنويه بهما.
وافتتحت قصة مريم وعيسى بما يتصل بها من شئون آل بيت مريم وكافلها لأنّ في تلك الأحوال كلها تذكيرا برحمة الله تعالى وكرامته لأوليائه.
وزكرياء نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وهو زكرياء الثاني زوج خالة مريم ، وليس له كتاب في أسفار التوراة. وأما الذي له كتاب فهو زكرياء بن برخيا الذي كان موجودا في القرن السادس قبل المسيح. وقد مضت ترجمة زكرياء الثاني في سورة آل عمران ومضت قصّة دعائه هنالك.
و (إِذْ نادى رَبَّهُ) ظرف ل (رَحْمَتِ). أي رحمة الله إياه في ذلك الوقت ، أو بدل من (ذِكْرُ) ، أي اذكر ذلك الوقت.
والنداء : أصله رفع الصوت بطلب الإقبال. وتقدم عند قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) في سورة آل عمران [١٩٣] وقوله : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ