أُورِثْتُمُوها) في [سورة الأعراف : ٤٣]. ويطلق النداء كثيرا على الكلام الذي فيه طلب إقبال الذات لعمل أو إقبال الذهن لوعي كلام ، فلذلك سميت الحروف التي يفتتح بها طلب الإقبال حروف النداء. ويطلق على الدعاء بطلب حاجة وإن لم يكن فيه نداء لأن شأن الدعاء في المتعارف أن يكون جهرا. أي تضرعا لأنه أوقع في نفس المدعو. ومعنى الكلام : أن زكرياء قال : يا رب ، بصوت خفي.
وإنما كان خفيا لأن زكرياء رأى أنه أدخل في الإخلاص مع رجائه أنّ الله يجيب دعوته لئلا تكون استجابته مما يتحدث به الناس ، فلذلك لم يدعه تضرعا وإن كان التضرع أعون على صدق التوجه غالبا ، فلعل يقين زكرياء كاف في تقوية التوجه ، فاختار لدعائه السلامة من مخالطة الرياء. ولا منافاة بين كونه نداء وكونه خفيا ، لأنه نداء من يسمع الخفاء.
والمراد بالرحمة : استجابة دعائه ، كما سيصرح به بقوله : يا زكرياء (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) [مريم : ٧]. وإنما حكي في الآية وصف دعاء زكرياء كما وقع فليس فيها
إشعار بالثناء على إخفاء الدعاء.
[٤ ـ ٦] (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦))
جملة (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) مبنية لجملة (نادى رَبَّهُ) [مريم : ٣]. وهي وما بعدها تمهيد للمقصود من الدعاء وهو قوله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا). وإنّما كان ذلك تمهيدا لما يتضمنه من اضطراره لسؤال الولد. والله يجيب المضطر إذا دعاه ، فليس سؤاله الولد سؤال توسع لمجرد تمتع أو فخر.
ووصف من حاله ما تشتد معه الحاجة إلى الولد حالا ومآلا ، فكان وهن العظم وعموم الشيب حالا مقتضيا للاستعانة بالولد مع ما يقتضيه من اقتراب إبان الموت عادة ، فذلك مقصود لنفسه ووسيلة لغيره وهو الميراث بعد الموت. والخبران من قوله : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) مستعملان مجازا في لازم الإخبار ، وهو الاسترحام لحاله. لأن المخبر ـ بفتح الباء ـ عالم بما تضمنه الخبران.
والوهن : الضعف. وإسناده إلى العظم دون غيره مما شمله الوهن في جسده لأنه