والمقصود منها التنويه بالقرآن والعناية به لينتقل من ذلك إلى الكناية بأن الذي أنزله عليك بهذه المثابة لا يترك نصرك وتأييدك.
والعدول عن اسم الجلالة أو عن ضميره إلى الموصولية لما تؤذن به الصلة من تحتم إفراده بالعبادة ، لأنه خالق المخاطبين بالقرآن وغيرهم مما هو أعظم منهم خلقا ، ولذلك وصف والسّماوات بالعلى صفة كاشفة زيادة في تقرير معنى عظمة خالقها. وأيضا لمّا كان ذلك شأن منزل القرآن لا جرم كان القرآن شيئا عظيما ، كقول الفرزدق :
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعزّ وأطول |
و (الرَّحْمنُ) يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف لازم الحذف تبعا للاستعمال في حذف المسند إليه كما سماه السكّاكي. ويجوز أن يكون مبتدأ. واختير وصف (الرَّحْمنُ) لتعليم النّاس به لأن المشركين أنكروا تسميته تعالى الرحمن : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠]. وفي ذكره هنا وكثرة التذكير به في القرآن بعث على إفراده بالعبادة شكرا على إحسانه بالرحمة البالغة.
وجملة (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) حال من (الرَّحْمنُ). أو خبر ثان عن المبتدأ المحذوف.
والاستواء : الاستقرار ، قال تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) [المؤمنون : ٢٨] الآية. وقال : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) [هود : ٤٤].
والعرش : عالم عظيم من العوالم العليا ، فقيل هو أعلى سماء من السماوات وأعظمها. وقيل غير ذلك ، ويسمى : الكرسي أيضا على الصحيح ، وقيل : الكرسي غير العرش.
وأيّا ما كان فذكر الاستواء عليه زيادة في تصوير عظمة الله تعالى وسعة سلطانه بعد قوله : (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى).
وأما ذكر الاستواء فتأويله أنه تمثيل لشأن عظمة الله بعظمة أعظم الملوك الذين يجلسون على العروش. وقد عرف العرب من أولئك ملوك الفرس وملوك الروم وكان هؤلاء مضرب الأمثال عندهم في العظمة.
وحسّن التعبير بالاستواء مقارنته بالعرش الذي هو ممّا يستوى عليه في المتعارف ، فكان ذكر الاستواء كالترشيح لإطلاق العرش على السماء العظمى ، فالآية من المتشابه