البيّن تأويله باستعمال العرب وبما تقرر في العقيدة : أن ليس كمثله شيء.
وقيل : الاستواء يستعمل بمعنى الاستيلاء. وأنشدوا قول الأخطل :
قد استوى بشر على العراق |
|
بغير سيف ودم مهراق |
وهو مولّد. ويحتمل أنه تمثيل كالآية. ولعلّه انتزعه من هذه الآية.
وتقدم القول في هذا عند قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) في سورة الأعراف [٥٤]. وإنما أعدنا بعضه هنا لأن هذه الآية هي المشتهرة بين أصحابنا الأشعرية.
وفي «تقييد الأبيّ على تفسير ابن عرفة» : واختار عز الدين بن عبد السلام عدم تكفير من يقول بالجهة. قيل لابن عرفة : عادتك تقول في الألفاظ الموهمة الواردة في الحديث كما في حديث السوداء وغيرها ، فذكر النبي صلىاللهعليهوسلم دليل على عدم تكفير من يقول بالتجسيم ، فقال : هذا صعب ولكن تجاسرت على قوله اقتداء بالشيخ عز الدين لأنه سبقني لذلك.
وأتبع ما دلّ على عظمة سلطانه تعالى بما يزيده تقريرا وهو جملة : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) إلخ. فهي بيان لجملة (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى). والجملتان تدلان على عظيم قدرته لأن ذلك هو المقصود من سعة السلطان.
وتقديم المجرور في قوله (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) للقصر ، ردا على زعم المشركين أن لآلهتهم تصرفات في الأرض ، وأن للجنّ اطلاعا على الغيب ، ولتقرير الردّ ذكرت أنحاء الكائنات ، وهي السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
والثّرى : التراب. وما تحته : هو باطن الأرض كله.
وجملة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) عطف على جملة (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى).
(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧))
عطف على جملة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [طه : ٦] لدلالة هذه الجملة على سعة علمه تعالى كما دلّت الجملة المعطوف عليها على عظيم سلطانه وقدرته. وأصل النظم : ويعلم السر وأخفى إن تجهر بالقول ؛ فموقع قوله : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) موقع الاعتراض بين جملة (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) وجملة (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). فصيغ النظم في قالب الشرط والجزاء زيادة في تحقيق حصوله على طريقة ما يسمى بالمذهب الكلامي ، وهو سوق الخبر في صيغة الدليل على وقوعه تحقيقا له.