ليس الطّيب إلّا المِشك؟ ليس الطِّيبُ إلّا الماء.
فإنّ الماء أطيبُ الطّيب لأنّ أكثر الطّيوب إنّما تظهر رائحتُها بالماء ، وفى الماء ما ليس فى الطّيوب من التّنقية والتَّطهُّر.
وكلّ جال ومُنَقِّ وغسّالٍ إنّما يَفْعَلُ فِعْلَه بمَعونة الماء. ولولا الماءُ لما نَقَّى الأشَنانُ الاوساخَ ، ولا ظَهَر لَونُ الوَرس والحِنّاء ونحوهما ، ففيه تظهر الألوان والرّوائح والطّعوم ، ولولاه لما أمكن صُنع الغِذاء ، ولما استحال الدّمُ لَبَناً. فكلُّ غذاءٍ لا بُدَّ فيه من ماء إمّا بالصَّنْعَة وإمّا بالطّبيعة.
ويُستعمَل فى حفظ الصِّحّة ومُداواة الأسقام من داخل البدن وخارجِه حارّاً وبارداً وعَذْباً ومِلْحاً.
والعَذْب البارد منه يُعَدِّل حرارةَ المعدة ويشدُّها ، والحارّ يُرخيها.
وأجودُ تبريده بتعريضه لريح الشّمال فى إناء رشّاح ، وهو الشّائع فى زماننا. والإكثارُ منه لغير ما علّة أو علاج مُضِرٌّ.
وأفضلُ الماءِ ماءُ زَمزَم ، وفى الحديث : (إنها طَعامُ طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْمٍ) (٨). ومِنَ الأنهار الفُرات والنّيل وسيحون وجيحون. وعنه (ص) أنّه قال : (سَيْحان وجَيحان والنّيل والفُرات من أنهار الجنّة) (٩). يريد (ص) صفاتِها وطعومَها لا انّها منها على الحقيقة ، كما زَعَم بعضُهم. والله اعلم.
والأنهار الأربعة المذكورة تَخرج من عيونٍ فى الجبال ، وكل واحد منها يُوغِلُ فى مَجراه الذى شقَّه الله ، تعالى ، له.
وأمّا زيادتُها فمِن قبل أمطارٍ غزيرةٍ على بَطائحها التى تتجمّع فيها عند مُبتدئها.
والبالغُ الجيّدُ منها ما كان عَذْباً لا يحتَمِلُ الشّرب منه إلّا للحاجة ورىّ