والمسارعة : مستعارة للحرص وصرف الهمة والجدّ للخيرات ، أي لفعلها ، تشبيها للمداومة والاهتمام بمسارعة السائر إلى المكان المقصود الجادّ في مسالكه.
والخيرات : جمع خير ـ بفتح الخاء وسكون الياء ـ وهو جمع بالألف والتاء على خلاف القياس فهو مثل سرادقات وحمامات واصطبلات. والخير ضدّ الشرّ ، فهو ما فيه نفع. وأما قوله تعالى : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠] فيحتمل أنه مثل هذا ، ويحتمل أنه جمع خيرة ـ بفتح فسكون ـ الذي هو مخفف خيّره المشدّد الياء ، وهي المرأة ذات الأخلاق الخيرية. وقد تقدم الكلام على (الْخَيْراتِ) في قوله تعالى : (وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) في [سورة براءة : ٨٨]. وعطف على ذلك أنهم يدعون الله رغبة في ثوابه ورهبة من غضبه ، كقوله تعالى : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر : ٩].
والرغب والرهب ـ بفتح ثانيهما ـ مصدران من رغب ورهب. وهما وصف لمصدر (يَدْعُونَنا) لبيان نوع الدعاء بما هو أعم في جنسه ، أو يقدر مضاف ، أي ذوي. رغب ورهب ، فأقيم المضاف إليه مقامه فأخذ إعرابه.
وذكر فعل الكون في قوله تعالى : (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) مثل ذكره في قوله تعالى : (كانُوا يُسارِعُونَ).
والخشوع : خوف القلب بالتفكر دون اضطراب الأعضاء الظاهرة.
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١))
لما انتهى التنويه بفضل رجال من الأنبياء أعقب بالثناء على امرأة نبيئة إشارة إلى أن أسباب الفضل غير محجورة ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) [الأحزاب : ٣٥] الآية. هذه هي مريم ابنة عمران. وعبر عنها بالموصول دلالة على أنها قد اشتهرت بمضمون الصلة كما هو شأن طريق الموصولية غالبا ، وأيضا لما في الصلة من معنى تسفيه اليهود الذين تقوّلوا عنها إفكا وزورا ، وليبنى على تلك الصلة ما تفرع عليها من قوله تعالى : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) الذي هو في حكم الصلة أيضا ، فكأنه قيل : والتي نفخنا فيها من روحنا ، لأن كلا الأمرين موجب ثناء. وقد أراد الله إكرامها بأن تكون مظهر عظيم قدرته في مخالفة السنة البشرية لحصول حمل أنثى دون قربان ذكر ، ليرى الناس مثالا من التكوين الأوّل كما أشار إليه قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ