التوحيد وهو شريعة إبراهيم أصلهم. ويؤيد هذا الوجه أن نظير هذه الآية في سورة المؤمنين جاء فيه العطف بفاء التفريع.
والتقطع : مطاوع قطّع ، أي تفرقوا. وأسند التقطع إليهم لأنهم جعلوا أنفسهم فرقا فعبدوا آلهة متعددة واتخذت كل قبيلة لنفسها إلها من الأصنام مع الله ، فشبه فعلهم ذلك بالتقطع.
وفي «جمهرة الأنساب» لابن حزم : «كان الحصين بن عبيد الخزاعي ، وهو والد عمران بن حصين لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له رسول الله : يا حصين ما تعبد؟ قال : عشرة آلهة ، قال : ما هم وأين هم؟ قال : تسعة في الأرض وواحد في السماء. قال : فمن لحاجتك؟ قال : الذي في السماء ، قال : فمن لطلبتك؟ قال : الذي في السماء ، قال : فمن لكذا؟ فمن لكذا؟ كلّ ذلك يقول : الذي في السماء ، قال رسول الله : فالغ التسعة». وفي كتاب الدعوات : من «سنن الترمذي» : «أنه قال : سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء».
والأمر : الحال. والمراد به الدين كما دل عليه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) في [سورة الأنعام : ١٥٩].
ولمّا ضمن (تَقَطَّعُوا) معنى توزّعوا عدّي إلى «دينهم» فنصبه ، والأصل : تقطعوا في دينهم وتوزعوه.
وزيادة (بَيْنَهُمْ) لإفادة إنهم تعاونوا وتظاهروا على تقطّع أمرهم. فربّ قبيلة اتخذت صنما لم تكن تعبده قبيلة أخرى ثم سوّلوا لجيرتهم وأحلافهم أن يعبدوه فألحقوه بآلهتهم. وهكذا حتى كان في الكعبة عدة أصنام وتماثيل لأن الكعبة مقصودة لجميع قبائل العرب. وقد روي أن عمرو بن لحي الملقب بخزاعة هو الذي نقل الأصنام إلى العرب.
وجملة (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) مستأنفة استئنافا بيانيا لجواب سؤال يجيش في نفس سامع قوله تعالى (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) وهو معرفة عاقبة هذا التقطع.
وتنوين (كُلٌ) عوض عن المضاف إليه ، أي كلّهم ، أي أصحاب ضمائر الغيبة وهم المشركون. والكلام يفيد تعريضا بالتهديد.
ودلّ على ذلك التفريع في قوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) [الأنبياء : ٩٤] إلى آخره.