وفي قوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) [البقرة : ٢١٤] فإن قول الرسول ليس غاية للزلزلة ولكنه ناشئ عنها ، وقد مثلت حالة الكافرين في ذلك الحين بأبلغ تمثيل وأشدّه وقعا في نفس السامع ، إذ جعلت مفرعة على فتح يأجوج وماجوج واقتراب الوعد الحقّ للإشارة إلى سرعة حصول تلك الحالة لهم ثم بتصدير الجملة بحرف المفاجأة والمجازاة الذي يفيد الحصول دفعة بلا تدرّج ولا مهلة ، ثم بالإتيان بضمير القصة ليحصل للسامع علم مجمل يفصله ما يفسّر ضمير القصة فقال تعالى: (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى آخره.
والشخوص : إحداد البصر دون تحرك كما يقع للمبهوت.
وجملة : (يا وَيْلَنا) مقول قول محذوف كما هو ظاهر ، أي يقولون حينئذ : يا ويلنا.
ودلت (في) على تمكن الغفلة منهم حتى كأنها محيطة بهم إحاطة الظرف بالمظروف ، أي كانت لنا غفلة عظيمة ، وهي غفلة الإعراض عن أدلة الجزاء والبعث.
و (يا وَيْلَنا) دعاء على أنفسهم من شدة ما لحقهم.
و (بَلْ) للإضراب الإبطالي ، أي ما كنا في غفلة لأننا قد دعينا وأنذرنا وإنما كنا ظالمين أنفسنا بمكابرتنا وإعراضنا.
والمشار إليه ب (هذا) هو مجموع تلك الأحوال من الحشر والحساب والجزاء.
[٩٨ ـ ١٠٠] (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))
جملة (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) جواب عن قولهم (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) [الأنبياء : ٩٧] إلى آخره. فهي مقول قول محذوف على طريقة المحاورات. فالتقدير : يقال لهم : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم.
وهو ارتقاء في ثبورهم فهم قالوا : (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) [الأنبياء : ٩٧] فأخبروا بأن آلهتهم وهم أعزّ عليهم من أنفسهم وأبعد في أنظارهم عن أن يلحقهم سوء صائرون إلى مصيرهم من الخزي والهوان ، ولذلك أكد الخبر بحرف التأكيد لأنهم كانوا بحيث ينكرون ذلك.