بما جرى في ذلك المجلس فقال عبد الله بن الزبعرى : أما والله لو وجدته لخصمته ، فاسألوا محمدا أكلّ ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبدوهم؟ فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم. فحكي ذلك لرسول الله ، فقال رسول الله : إن كلّ من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده ، إنهم إنما يعبدون الشيطان الذي أمرهم بعبادتهم ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠١] ه.
وقريب من هذا في «أسباب النزول» للواحدي ، وفي «الكشاف» مع زيادات أن ابن الزبعرى لقي النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر هذا وزاد فقال : خصمت وربّ هذه البنيّة ألست تزعم أن الملائكة عباد مكرمون ، وأن عيسى عبد صالح ، وأن عزيرا عبد صالح ، وهذه بنو مليح (١) يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى يعبدون المسيح ، وهذه اليهود يعبدون عزيرا ، فضجّ أهل مكة (أي فرحا) وقالوا : إن محمدا قد خصم. ورويت القصة في بعض كتب العربية وأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لابن الزبعرى : ما أجهلك بلغة قومك إني قلت (وَما تَعْبُدُونَ) ، و (ما) لما لا يعقل ولم أقل «ومن تعبدون».
وإن الآية حكت ما يجري يوم الحشر وليس سياقها إنذارا للمشركين حتى يكون قوله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) [الأنبياء : ١٠١] تخصيصا لها ، أو تكون القصة سببا لنزوله.
[١٠١ ـ ١٠٣] (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣))
جملة (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) مستأنفة استئنافا ابتدائيا دعا إليه مقابلة حكاية حال الكافرين وما يقال لهم يوم القيامة بحكاية ما يلقاه الذين آمنوا يوم القيامة وما يقال لهم. فالذين سبقت لهم الحسنى هم الفريق المقابل لفريق القرية التي سبق في علم الله إهلاكها ، ولما كان فريق القرية هم المشركين فالفريق المقابل له هم المؤمنون. ولا علاقة لهذه الجملة بجملة (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] ولا
__________________
(١) بضم الميم وفتح اللام : بطن من خزاعة.