هي مخصصة لعموم قوله تعالى : (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بل قوله تعالى : و (الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) عام يعم كل مؤمن مات على الإيمان والعمل الصالح.
والسبق ، حقيقته : تجاوز الغير في السير إلى مكان معين ، ومنه سباق الخيل ، واستعمل هنا مجازا في ثبوت الأمن في الماضي ، يقال كان هذا في العصور السابقة ، أي التي مضت أزمانها لما بين السبق وبين التقدم من الملازمة ، أي الذين حصلت لهم الحسنى في الدنيا ، أي حصل لهم الإيمان والعمل الصالح من الله ، أي بتوفيقه وتقديره ، كما حصل الإهلاك لأضدادهم بما قدر لهم من الخذلان.
والحسنى : الحالة الحسنة في الدين ، قال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] أو الموعدة الحسنى ، أي تقرّر وعد الله إياهم بالمعاملة الحسنى. وتقدم في سورة يونس.
وذكر الموصول في تعريفهم لأن الموصول للإيماء إلى أن سبب فوزهم هو سبق تقدير الهداية لهم. وذكر اسم الإشارة بعد ذلك لتمييزهم بتلك الحالة الحسنة ، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما يذكر بعد اسم الإشارة من أجل ما تقدم على اسم الإشارة من الأوصاف ، وهو سبق الحسنى من الله.
واختير اسم إشارة البعيد للإيماء إلى رفعة منزلتهم ، والرفعة تشبه بالبعد.
وجملة (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) بيان لمعنى مبعدون ، أي مبعدون عنها بعدا شديدا بحيث لا يلفحهم حرّها ولا يروعهم منظرها ولا يسمعون صوتها ، والصوت يبلغ إلى السمع من أبعد مما يبلغ منه المرئي.
والحسيس : الصوت الذي يبلغ الحس ، أي الصوت الذي يسمع من بعيد ، أي لا يقربون من النار ولا تبلغ أسماعهم أصواتها ، فهم سالمون من الفزع من أصواتها فلا يقرع أسماعهم ما يؤلمها.
وعقّب ذلك بما هو أخص من السلامة وهو النعيم الملائم. وجيء فيه بما يدل على العموم وهو (فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ) وما يدلّ على الدوام وهو (خالِدُونَ).
والشهوة : تشوق النفس إلى ما يلذّ لها.
وجملة (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ) خبر ثان عن الموصول.