الخلق كما بدأنا أول خلق يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب وعدا علينا. فحوّل النظم فقدم الظرف بادئ ذي بدء للتشويق إلى متعلقه ، ولما في الجملة التي أضيف إليها الظرف من الغرابة والطباق إذ جعل ابتداء خلق جديد وهو البعث مؤقتا بوقت نقض خلق قديم وهو طي السماء.
وقدم (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ) وهو حال من الضمير المنصوب في (نُعِيدُهُ) للتعجيل بإيراد الدليل قبل الدعوى لتتمكن في النفس فضل تمكّن. وكل ذلك وجوه للاهتمام بتحقيق وقوع البعث ، فليس قوله (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) متعلقا بما قبله من قوله تعالى : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) [الأنبياء : ١٠٣].
وعقب ذلك بما يفيد تحقق حصول البعث من كونه وعدا على الله بتضمين الوعد معنى الإيجاب ، فعدي بحرف (على) في قوله تعالى : (وَعْداً عَلَيْنا) أي حقا واجبا.
وجملة (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) مؤكّدة بحرف التوكيد لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر قدرة الله لأنهم لما نفوا البعث بعلة تعذر إعادة الأجسام بعد فنائها فقد لزمهم إحالتهم ذلك في جانب قدرة الله.
والمراد بقوله (فاعِلِينَ) أنه الفاعل لما وعد به ، أي القادر. والمعنى : إنا كنا قادرين على ذلك.
وفي ذكر فعل الكون إفادة أن قدرته قد تحققت بما دل عليه دليل قوله (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ).
والطّيّ : ردّ بعض أجزاء الجسم الليّن المطوق على بعضه الآخر ، وضدّه النشر.
والسجل : بكسر السين وكسر الجيم هنا ، وفيه لغات. يطلق على الورقة التي يكتب فيها ، ويطلق على كاتب الصحيفة ، ولعله تسمية على تقدير مضاف محذوف ، أي صاحب السجل ، وقيل سجل : اسم ملك في السماء ترفع إليه صحائف أعمال العباد فيحفظها.
ولا يحسن حمله هنا على معنى الصحيفة لأنه لا يلائم إضافة الطيّ إليه ولا إردافه لقوله للكتاب أو (لِلْكُتُبِ) ، ولا حمله على معنى الملك الموكل بصحائف الأعمال لأنه لم يكن مشهورا فكيف يشبه بفعله. فالوجه : أن يراد بالسجل الكاتب الذي يكتب الصحيفة ثم يطويها عند انتهاء كتابتها ، وذلك عمل معروف. فالتشبيه بعمله رشيق.