ببركة رسولهم صلىاللهعليهوسلم وأصحابه واتسع ملكهم وعظم سلطانهم حسب ما أنبأ به نبيئهم صلىاللهعليهوسلم في الحديث المتقدم آنفا.
وجملة (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) تذييل للوعد وإعلان بأن قد آن أوانه وجاء إبانه. وفإن لم يأت بعد داود قوم مؤمنون ورثوا الأرض ، فلما جاء الإسلام وآمن الناس بمحمد صلىاللهعليهوسلم فقد بلغ البلاغ إليهم.
فالإشارة بقوله تعالى : (إِنَّ فِي هذا) إلى الوعد الموعود في الزبور والمبلّغ في القرآن.
والمراد بالقوم العابدين من شأنهم العبادة لا ينحرفون عنها قيد أنملة كما أشعر بذلك جريان وصف العابدين على لفظ قوم المشعر بأن العبادة هي قوام قوميتهم كما قدمناه عند قوله تعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) في آخر [سورة يونس : ١٠١]. فكأنه يقول : فقد أبلغتكم الوعد فاجتهدوا في نواله. والقوم العابدون هم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الموجودون يومئذ والذين جاءوا من بعدهم.
والعبادة : الوقوف عند حدود الشريعة. قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران : ١١٠]. وقد ورثوا هذا الميراث العظيم وتركوه للأمة بعدهم ، فهم فيه أطوار كشأن مختلف أحوال الرشد والسفه في التصرف في مواريث الأسلاف.
وما أشبه هذا الوعد المذكور هنا ونوطه بالعبادة بالوعد الذي وعدته هذه الأمة في القرآن : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النور : ٥٥ ـ ٥٦].
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧))
أقيمت هذه السورة على عماد إثبات الرسالة لمحمد صلىاللهعليهوسلم وتصديق دعوته. فافتتحت بإنذار المعاندين باقتراب حسابهم ووشك حلول وعد الله فيهم وإثبات رسالة محمدصلىاللهعليهوسلم وأنه لم يكن بدعا من الرسل ، وذكروا إجمالا ، ثم ذكرت طائفة منهم على التفصيل ، وتخلّل ذلك بمواعظ ودلائل.