المقام. والمقصود من الجملة تعليل الإنذار بتحقيق حلول الوعيد بهم وتعليل عدم العلم بقربه أو بعده ؛ علل ذلك بأن الله تعالى يعلم جهرهم وسرّهم وهو الذي يؤاخذهم عليه وهو الذي يعلم متى يحلّ بهم عذابه.
وعائد الموصول في قوله تعالى : (ما تَكْتُمُونَ) ضمير محذوف.
(وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١))
عطف على جملة (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠٩]. والضمير الذي هو اسم (لعلّ) عائد إلى ما يدل عليه قوله تعالى : (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) من أنه أمر منتظر الوقوع وأنه تأخر عن وجود موجبه ، والتقدير : لعل تأخيره فتنة لكم ، أو لعل تأخير ما توعدون فتنة لكم ، أي ما أدرى حكمة هذا التأخير فلعله فتنة لكم أرادها الله ليملي لكم إذ بتأخير الوعد يزدادون في التكذيب والتولّي وذلك فتنة.
والفتنة : اختلال الأحوال المفضي إلى ما فيه مضرة.
والمتاع : ما ينتفع به مدة قليلة ، كما تقدم في قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ) في [سورة آل عمران : ١٩٦ ـ ١٩٧].
(قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢))
استئناف ابتدائي بعد ما مضى من وصف رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم وإجمال أصلها وأمره بإنذارهم وتسجيل التبليغ. قصد من هذا الاستئناف التلويح إلى عاقبة أمر هذا الدين المرجوة المستقبلة لتكون قصة هذا الدين وصاحبه مستوفاة المبدأ والعاقبة على وزان ما ذكر قبلها من قصص الرسل السابقين من قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) [الأنبياء : ٤٨] إلى هنا.
وفي أمر الله تعالى نبيئه عليه الصلاة والسلام بالالتجاء إليه والاستعانة به بعد ما قال له : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) [الأنبياء : ١٠٩] رمز إلى أنهم متولّون لا محالة وأن الله سيحكم فيهم بجزاء جرمهم لأن الحكم بالحق لا يغادرهم ، وإن الله في إعانته لأن الله إذا لقن عباده دعاء فقد ضمن لهم إجابته كقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) [البقرة : ٢٨٦] ونحو ذلك ، وقد صدق الله وعده واستجاب لعبده فحكم في هؤلاء