والمريد : صفة مشبهة من مرد ـ بضم الراء ـ على عمل ، إذا عتا فيه وبلغ الغاية التي تتجاوز ما يكون عليه أصحاب ذلك العمل ، وكأنه محول من مرد بفتح الراء ـ بمعنى مرن ـ إلى ضم الراء للدلالة على أن الوصف صار له سجية ، فالمريد صفة مشبهة ، أي العاتي في الشيطنة.
(كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤))
جملة (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) إلى آخرها صفة ثانية ل (شَيْطانٍ مَرِيدٍ) [الحج: ٣] ، فالضمير المجرور عائد إلى (شَيْطانٍ). وكذلك الضمائر في (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ).
وأما الضميران البارزان في قوله (يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) فعائدان إلى (من) الموصولة ، أي يضل الشيطان متوليه عن الحق ويهدي متوليه إلى عذاب السعير.
واتفقت القراءات العشر على قراءة (كُتِبَ) ـ بضم الكاف ـ على أنه مبني للنائب. واتفقت أيضا على ـ فتح الهمزتين ـ من قوله تعالى : (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ).
والكتابة مستعارة للثبوت واللزوم ، أي لزمه إضلال متوليه ودلالته على عذاب السعير ، فأطلق على لزوم ذلك فعل (كُتِبَ عَلَيْهِ) أي وجب عليه ، فقد شاع أن العقد إذا أريد تحقيق العمل به وعدم الإخلال به كتب في صحيفة. قال الحارث بن حلّزة :
وهل ينقض ما في المهارق الأهواء
والضمير في (أَنَّهُ) عائد إلى (شَيْطانٍ) [الحج : ٣] وليس ضمير شأن لأن جعله ضمير شأن لا يناسب كون الجملة في موقع نائب فاعل (كُتِبَ) ، إذ هي حينئذ في تأويل مصدر وضمير الشأن يتطلب بعده جملة ، والمصدران المنسبكان من قوله (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) وقوله (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) نائب فعل (كُتِبَ) ومفرع عليه بفاء الجزاء ، أي كتب عليه إضلال من تولاه. والتولي : اتّخاذ ولي ، أي نصير ، أي من استنصر به.
و (من) موصولة وليست شرطية لأن المعنى على الإخبار الثابت لا على التعليق بالشرط. وهي مبتدأ ثان ، والضمير المستتر في قوله (تَوَلَّاهُ) عائد إلى (من) الموصولة.
والضمير المنصوب البارز عائد إلى (شَيْطانٍ) [الحج : ٣] ، أي أن الذي يتخذ الشيطان وليا فذلك الشيطان يضله.
والفاء في قوله (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) داخلة على الجملة الواقعة خبرا عن (من) الموصولة