لم يذكر مثل هذين الوصفين عند ذكر النطفة والعلقة ، إذ ليس لهما مثل هذين الوصفين بخلاف المضغة. وإذ قد جعلت المضغة من مبادئ الخلق تعيّن أن كلا الوصفين لا زمان للمضغة ، فلا يستقيم تفسير من فسّر غير المخلقة بأنها التي لم يكمل خلقها فسقطت.
والتخليق : صيغة تدل على تكرير الفعل ، أي خلقا بعد خلق ، أي شكلا بعد شكل.
وقدم ذكر المخلقة على ذكر غير المخلقة على خلاف الترتيب في الوجود لأن المخلقة أدخل في الاستدلال ، وذكر بعده غير المخلقة لأنه إكمال للدليل وتنبيه على أن تخليقها نشأ عن عدم. فكلا الحالين دليل على القدرة على الإنشاء وهو المقصود من الكلام.
ولذلك عقب بقوله تعالى (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) ، أي لنظهر لكم إذا تأملتم دليلا واضحا على إمكان الإحياء بعد الموت.
واللام للتعليل متعلقة بما في تضمينه جواب الشرط المقدر من فعل ونحوه تدل عليه جملة (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) إلخ ، وهو فعل : فاعلموا ، أو فنعلمكم ، أو فانظروا.
وحذف مفعول (لِنُبَيِّنَ) لتذهب النفس في تقديره كل مذهب مما يرجع إلى بيان ما في هذه التصرفات من القدرة والحكمة ، أي لنبيّن لكم قدرتنا وحكمتنا.
وجملة (وَنُقِرُّ) عطف على جملة (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ). وعدل عن فعل المضي إلى الفعل المضارع للدلالة على استحضار تلك الحالة لما فيها من مشابهة استقرار الأجساد في الأجداث ثم إخراجها منها بالبعث كما يخرج الطفل من قرارة الرحم ، مع تفاوت القرار. فمن الأجنة ما يبقى ستة أشهر ، ومنها ما يزيد على ذلك ، وهو الذي أفاده إجمال قوله تعالى : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى). والاستدلال في هذا كله بأنه إيجاد بعد العدم وإعدام بعد الوجود لتبيين إمكان البعث بالنظير وبالضد.
والأجل : الأمد المجعول لإتمام عمل ما ، والمراد هنا مدة الحمل.
والمسمّى : اسم مفعول من سماه ، إذا جعل له اسما ، ويستعار المسمّى للمعيّن المضبوط تشبيها لضبط الأمور غير المشخصة بعدد معيّن أو وقت محسوب ، بتسمية الشخص بوجه شبه يميزه عما شابهه. ومنه قول الفقهاء : المهر المسمّى ، أي المعيّن من نقد معدود أو عرض موصوف ، وقول الموثقين : وسمّى لها من الصداق كذا وكذا.