(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧))
عطف جواب على جواب. والمقصود من هذا إبطال مقصودهم من قولهم (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الأنبياء : ٣] إذا أرادوا أنه ليس بأهل للامتياز عنهم بالرسالة عن الله تعالى ، فبيّن خطأهم في استدلالهم بأن الرسل الأولين الذين اعترفوا برسالتهم ما كانوا إلا بشرا وأن الرسالة ليست إلا وحيا من الله لمن اختاره من البشر.
وقوله (إِلَّا رِجالاً) يقتضي أن ليس في النساء رسلا وهذا مجمع عليه. وإنما الخلاف في نبوءة النساء مثل مريم أخت موسى ومريم أم عيسى. ثم عرّض بجهلهم وفضح خطأهم فأمرهم أن يسألوا أهل الذكر ، أي العلم بالكتب والشرائع السالفة من الأحبار والرهبان.
وجملة (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) إلخ معترضة بين الجمل المتعاطفة.
وتوجيه الخطاب لهم بعد كون الكلام جرى على أسلوب الغيبة التفات ، ونكتته أن الكلام لما كان في بيان الحقائق الواقعة أعرض عنهم في تقريره وجعل من الكلام الموجه إلى كل سامع وجعلوا فيه معبّرا عنهم بضمائر الغيبة ، ولما أريد تجهيلهم وإلجاؤهم إلى الحجة عليهم غيّر الكلام إلى الخطاب تسجيلا عليهم وتقريعا لهم بتجهيلهم.
(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨))
الجسد : الجسم الذي لا حياة فيه ، وهو يرادف الجثة. هذا قول المحققين من أئمة اللغة مثل أبي إسحاق الزجاج في تفسير قوله تعالى : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً) [طه : ٨٨]. وقد تقدم هناك ، ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) [ص : ٣٤]. قيل هو شق غلام لا روح فيه ولدته إحدى نسائه ، أي ما جعلناهم أجراما غير منبثة فيها الأرواح بحيث تنتفي عنهم صفات البشر التي خاصتها أكل الطعام ، وهذا رد لما يقولونه (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) [الفرقان : ٧] مع قولهم هنا (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الأنبياء : ٣].
وذكر الجسد يفيد التهكم بالمشركين لأنهم لما قالوا (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) [الفرقان : ٧] ، وسألوا أن يأتي بما أرسل به الأولون كان مقتضى أقوالهم أن الرسل الأولين