الساعة ، والبعث. وإذا تبين إمكان ذلك حق التصديق بوقوعه لأنهم لم يكن بينهم وبين التصديق به حائل إلا ظنهم استحالته ، فالذي قدر على خلق الإنسان عن عدم سابق قادر على إعادته بعد اضمحلاله الطارئ على وجوده الأحرى ، بطريقة.
والذي خلق الأحياء بعد أن لم تكن فيها حياة يمكنه فعل الحياة فيها أو في بقيّة آثارها أو خلق أجسام مماثلة لها وإيداع أرواحها فيها بالأولى. وإذا كان كذلك علم أن ساعة فناء هذا العالم واقعة قياسا على انعدام المخلوقات بعد تكوينها ، وعلم أن الله يعيدها قياسا على إيجاد النسل وانعدام أصله الحاصل للمشركين في وقوع الساعة منزّل منزلة العدم لانتفاء استناده إلى دليل.
وصيغة نفي الجنس على سبيل التنصيص صيغة تأكيد ، لأن (لا) النافية للجنس في مقام النفي بمنزلة (إنّ) في مقام الإثبات ولذلك حملت عليها في العمل.
[٨ ـ ١٠] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠))
عطف على جملة (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) [الحج : ٥] كما عطفت جملة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) على جملة (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) [الحج : ١]. والمعنى : إن كنتم في ريب من وقوع البعث فإنا نزيل ريبكم بهذه الأدلة الساطعة ، فالناس بعد ذلك فريقان : فريق يوقن بهذه الدلالة فلا يبقى في ريب ، وفريق من الناس يجادل في الله بغير علم وهؤلاء هم أئمّة الشرك وزعماء الباطل.
وجملة (لا رَيْبَ فِيها) [الحج : ٧] معترضة بين المتعاطفات ، أي ليس الشأن أن يرتاب فيها ، فلذلك نفي جنس الريب فيها ، أي فالريب.
المعنيّ بهذه الآية هو المعنيّ بقوله فيما مضى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) [الحج : ٣] ، فيكون المراد فريق المعاندين المكابرين الذين يجادلون في الله بغير علم بعد أن بلغهم الإنذار من زلزلة الساعة ، فهم كذلك يجادلون في الله بغير علم بعد أن وضحت لهم الأدلة على وقوع البعث.