الآخرة دون ذكر حالهم في الدنيا لعدم أهمية ذلك لديهم ولا في نظر الدين.
وجملة (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) تذييل للكلام المتقدم من قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الحج : ٨] إلى هنا ، وهو اعتراض بين الجمل الملتئم منها الغرض. وفيها معنى التعليل الإجمالي لاختلاف أحوال الناس في الدنيا والآخرة.
وفعل الله ما يريد هو إيجاد أسباب أفعال العباد في سنة نظام هذا العالم ، وتبيينه الخير والشرّ ، وترتيبه الثواب والعقاب ، وذلك لا يحيط بتفاصيله إلا الله تعالى.
(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥))
موقع هذه الآية غامض ، ومفادها كذلك. ولنبدأ ببيان موقعها ثم نتبعه ببيان معناها فإن بين موقعها ومعناها اتصالا.
فيحتمل أن يكون موقعها استئنافا ابتدائيا أريد به ذكر فريق ثالث غير الفريقين المتقدمين في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الحج : ٨] الآية ، وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحج : ١١]. وهذا الفريق الثالث جماعة أسلموا واستبطئوا نصر المسلمين فأيسوا منه وغاظهم تعجّلهم للدخول في الإسلام وأن لم يتريثوا في ذلك وهؤلاء هم المنافقون.
ويحتمل أن يكون موقعها تذييلا لقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحج : ١١] الآية بعد أن اعترض بين تلك الجملة وبين هاته بجمل أخرى فيكون المراد : أن الفريق الذين يعبدون الله على حرف والمخبر عنهم بقوله : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) [الحج : ١١] هم قوم يظنون أن الله لا ينصرهم في الدنيا ولا في الآخرة إن بقوا على الإسلام.
فأما ظنهم انتفاء النصر في الدنيا فلأنهم قد أيسوا من النصر استبطاء ، وأما في الآخرة فلأنهم لا يؤمنون بالبعث ومن أجل هذا علق فعل (لَنْ يَنْصُرَهُ) بالمجرور بقوله (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) إيماء إلى كونه متعلق الخسران في قوله (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) [الحج : ١١]. فإن عدم النصر خسران في الدنيا بحصول ضده ، وفي الآخرة باستحالة وقوع الجزاء في الآخرة حسب اعتقاد كفرهم ، وهؤلاء مشركون مترددون.
ويترجح هذا الاحتمال بتغيير أسلوب الكلام ، فلم يعطف بالواو كما عطف قوله