فأما المجوس فهم أهل دين يثبت إلهين : إلها للخير ، وإلها للشرّ ، وهم أهل فارس. ثم هي تتشعب شعبا تأوي إلى هذين الأصلين. وأقدم النحل المجوسية أسسها (كيومرث) الذي هو أول ملك بفارس في أزمنة قديمة يظن أنها قبل زمن إبراهيم عليهالسلام ، ولذلك يلقب أيضا بلقب (جل شاه) (١) تفسيره : ملك الأرض. غير أن ذلك ليس مضبوطا بوجه علمي وكان عصر (كيومرث) يلقب (زروان) أي الأزل ، فكان أصل المجوسية هم أهل الديانة المسماة : الزروانية وهي تثبت إلهين هما (يزدان) و (أهرمن). قالوا : كان يزدان منفردا بالوجود الأزلي ، وأنه كان نورانيا ، وأنه بقي كذلك تسعة آلاف وتسعين سنة ثم حدث له خاطر في نفسه : أنه لو حدث له منازع كيف يكون الأمر فنشأ من هذا الخاطر موجود جديد ظلماني سمي (أهرمن) وهو إله الظلمة مطبوعا على الشرّ والضرّ. وإلى هذا أشار أبو العلاء المعرّي بقوله في لزومياته :
قال أناس باطل زعمهم |
|
فراقبوا الله ولا تزعمن |
فكّر يزدان على غرّة |
|
فصيغ من تفكيره أهرمن |
فحدث بين (أهرمن) وبين (يزدان) خلاف ومحاربة إلى الأبد. ثمّ نشأت على هذا الدّين نحل خصّت بألقاب وهي متقاربة التعاليم أشهرها نحلة (زرادشت) الذي ظهر في القرن السادس قبل ميلاد المسيح ، وبه اشتهرت المجوسية. وقد سمي إله الخير (أهورامزدا) أو (أرمزد) أو (هرمز) ، وسمي إله الشرّ (أهرمن) ، وجعل إله الخير نورا ، وإله الشر ظلمة. ثم دعا الناس إلى عبادة النار على أنها مظهر إله الخير وهو النّور.
ووسّع شريعة المجوسية ، ووضع لها كتابا سمّاه «زندافستا». ومن أصول شريعته تجنّب عبادة التماثيل.
ثم ظهرت في المجوس نحلة «المانوية» ، وهي المنسوبة إلى (ماني) الذي ظهر في زمن سابور بن أردشير ملك الفرس بين سنة ٢٣٨ وسنة ٢٧١ م.
وظهرت في المجوس نحلة (المزدكية) ، وهي منسوبة إلى (مزدك) الذي ظهر في زمن قباذ بين سنة ٤٨٧ وسنة ٥٢٣ م. وهي نحلة قريبة من (المانوية) ، وهي آخر نحلة ظهرت في تطور المجوسيّة قبل الفتح الإسلامي لبلاد الفرس.
__________________
(١) لعل صواب العبارة «جهان شاه».