عمر فهو من المواساة. وقد اشترى عمر دار صفوان بن أمية وجعلها سجنا. وقال أبو حنيفة : دور مكة لا تملك وليس لأهلها أن يكروها. وقد ظنّ أن الخلاف في ذلك مبني على الاختلاف في أنّ مكة فتحت عنوة أو صلحا. والحق أنه لا بناء على ذلك لأنّ من القائلين بأنها فتحت عنوة قائلين بتملك دور مكة فهذا مالك بن أنس يراها فتحت عنوة ويرى صحة تملك دورها. ووجه ذلك : أن النبي صلىاللهعليهوسلم أقرّ أهلها في منازلهم فيكون قد أقطعهم إياها كما منّ على أهلها بالإطلاق من الأسر ومن السبي. ولم يزل أهل مكة يتبايعون دورهم ولا ينكر عليهم أحد من أهل العلم.
وخبر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) محذوف تقديره : نذقهم من عذاب أليم ، دلّ عليه قوله في الجملة الآتية : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).
وإذ كان الصد عن المسجد الحرام إلحادا بظلم فإن جملة (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) تذييل للجملة السابقة لما في (من) الشرطية من العموم.
والإلحاد : الانحراف عن الاستقامة وسواء الأمور. والظلم يطلق على الإشراك وعلى المعاصي لأنها ظلم النفس.
والباء في (بِإِلْحادٍ) زائدة للتوكيد مثلها في (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦]. أي من يرد إلحادا وبعدا عن الحق والاستقامة وذلك صدهم عن زيارته.
والباء في (بِظُلْمٍ) للملابسة. فالظلم : الإشراك ، لأنّ المقصود تهديد المشركين الذين حملهم الإشراك على مناوأة المسلمين ومنعهم من زيارة المسجد الحرام.
و (من) في قوله : (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) مزيدة للتوكيد على رأي من لا يشترطون لزيادة (من) وقوعها بعد نفي أو نهي. ولك أن تجعلها للتبعيض ، أي نذقه عذابا من عذاب أليم.
(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦))
عطف على جملة (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) [الحج : ٢٥] عطف قصة على قصة.
ويعلم منها تعليل الجملة المعطوفة عليها بأن الملحد في المسجد الحرام قد خالف بإلحاده فيه ما أراده الله من تطهيره حتى أمر ببنائه ، والتخلص من ذلك إلى إثبات ظلم المشركين وكفرانهم نعمة الله في إقامة المسجد الحرام وتشريع الحجّ.