بالإضافة إلى ضمير المخاطبين ليكون كلاما موجها فيصح قصد المعنيين معا من كلمة (الذكر) بأن مجيء القرآن مشتملا على أعظم الهدى ، وهو تذكير لهم بما به نهاية إصلاحهم ، ومجيئه بلغتهم ، وفي قومهم ، وبواسطة واحد منهم ، سمعة عظيمة لهم كما قال تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٥] ـ وقال ـ (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) [البقرة : ١٥١].
وقد فسر السلف هذه الآية بالمعنيين. وفي «تفسير الطبري» هنا قال جماعة : معنى «فيه ذكركم» أنه الشرف ، أي فيه شرفكم. وقال ابن عطية : يحتمل أن يريد فيه شرفكم وذكركم آخر الدهر كما تذكر عظام الأمور ، وقد فسر بمثل ذلك قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤].
وعلى المعنيين يكون لتفريع قوله تعالى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أحسن موقع لأن الاستفهام الإنكاري لنفي عقلهم متجه على كلا المعنيين فإن من جاءه ما به هداه فلم يهتد ينكر عليه سوء عقله ، ومن جاءه ما به مجده وسمعته فلم يعبأ به ينكر عليه سوء قدره للأمور حق قدرها كما يكون الفضل في مثله مضاعفا.
وأيضا فهو متفرع على الإقناع بإنزال القرآن آية تفوق الآيات التي سألوا مثلها وهو المفاد من الاستئناف ومن تأكيد الجملة بالقسم وحرف التحقيق قال تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) في سورة [العنكبوت : ٥١] ، وذلك لإعجازه اللفظي والمعنوي.
[١١ ـ ١٤] (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤))
عطف على قوله (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الأنبياء : ٦] أو على قوله تعالى (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) ، وهو تعريض بالتهديد.
ومناسبة موقعها أنه بعد أن أخبر أنه صدق رسله وعده وهو خبر يفيد ابتداء التنويه بشأن الرسل ونصرهم وبشأن الذين آمنوا بهم. وفيه تعريض بنصر محمد صلىاللهعليهوسلم وذكر إهلاك المكذبين له تبعا لذلك ، فأعقب ذلك بذكر إهلاك أمم كثيرة من الظالمين ووصف ما حل بهم ليكون ذلك مقصودا بذاته ابتداء اهتماما به ليقرع أسماعهم ، فهو تعريض بإنذار