(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)
اسم الإشارة مستعمل هنا للفصل بين كلامين أو بين وجهين من كلام واحد ، والقصد منه التنبيه على الاهتمام بما سيذكر بعده. فالإشارة مراد بها التنبيه ، وذلك حيث يكون ما بعده غير صالح لوقوعه خبرا عن اسم الإشارة فيتعين تقدير خبر عنه في معنى : ذلك بيان ، أو ذكر ، وهو من أساليب الاقتضاب في الانتقال. والمشهور في هذا الاستعمال لفظ (هذا) كما في قوله تعالى : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) [ص : ٥٥] وقول زهير :
هذا وليس كمن يعيا بخطبته |
|
وسط النّدي إذا ما قائل نطقا |
وأوثر في الآية اسم إشارة البعيد للدلالة على بعد المنزلة كناية عن تعظيم مضمون ما قبله.
فاسم الإشارة مبتدأ حذف خبره لظهور تقديره ، أي ذلك بيان ونحوه. وهو كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض الأغراض فإذا أراد الخوض في غرض آخر ، قال : هذا وقد كان كذا وكذا.
وجملة (وَمَنْ يُعَظِّمْ) إلخ ... معترضة عطفا على جملة (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) [الحج : ٢٦] عطف الغرض على الغرض. وهو انتقال إلى بيان ما يجب الحفاظ عليه من الحنيفية والتنبيه إلى أن الإسلام بني على أساسها.
وضمير (فَهُوَ) عائد إلى التعظيم المأخوذ من فعل (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ). والكلام موجّه إلى المسلمين تنبيها لهم على أنّ تلك الحرمات لم يعطل الإسلام حرمتها ، فيكون الانتقال من غرض إلى غرض ومن مخاطب إلى مخاطب آخر. فإن المسلمين كانوا يعتمرون ويحجون قبل إيجاب الحجّ عليهم ، أي قبل فتح مكة.
والحرمات : جمع حرمة ـ بضمتين ـ : وهي ما يجب احترامه.
والاحترام : اعتبار الشيء ذا حرم ، كناية عن عدم الدخول فيه. أي عدم انتهاكه بمخالفة أمر الله في شأنه ، والحرمات يشمل كل ما أوصى الله بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحج كلها.
وعن زيد بن أسلم : الحرمات خمس : المسجد الحرام ، والبيت الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمحرم ما دام محرما ، فقصره على الذوات دون الأعمال.