التمييز بيانا للمراد من الرجس هنا لا أن معنى ذلك أن الرجس هو عين الأوثان بل الرجس أعمّ أريد به هنا بعض أنواعه فهذا تحقيق معنى (من) البيانية.
و (حُنَفاءَ لِلَّهِ) حال من ضمير (فَاجْتَنِبُوا) أي تكونوا إن اجتنبتم ذلك حنفاء لله ، جمع حنيف وهو المخلص لله في العبادة ، أي تكونوا على ملّة إبراهيم حقا ، ولذلك زاد معنى (حُنَفاءَ) بيانا بقوله (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ). وهذا كقوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل : ١٢٠].
والباء في قوله (مُشْرِكِينَ بِهِ) للمصاحبة والمعية ، أي غير مشركين معه غيره.
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) أعقب نهيهم عن الأوثان بتمثيل فظاعة حال من يشرك بالله في مصيره بالشرك إلى حال انحطاط وتلقف الضلالات إياه ويأسه من النجاة ما دام مشركا تمثيلا بديعا إذ كان من قبيل التمثيل القابل لتفريق أجزائه إلى تشبيهات.
قال في «الكشاف» : «يجوز أن يكون هذا التشبيه من المركب والمفرّق بأن صور حال المشرك بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير فتفرّق مزعا في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة ، وإن كان مفرقا فقد شبّه الإيمان في علوّه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء ، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوى بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة». أ. ه.
يعني أنّ المشرك لما عدل عن الإيمان الفطري وكان في مكنته فكأنه كان في السماء فسقط منها ، فتوزعته أنواع المهالك ، ولا يخفى عليك أنّ في مطاوي هذا التمثيل تشبيهات كثيرة لا يعوزك استخراجها.
والسحيق : البعيد فلا نجاة لمن حل فيه.
وقوله : (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) تخيير في نتيجة التشبيه ، كقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩]. أشارت الآية إلى أن الكافرين قسمان : قسم شركه ذبذبة وشكّ ، فهذا مشبّه بمن اختطفته الطير فلا يستولي طائر على مزعة منه إلّا انتهبها منه آخر ، فكذلك المذبذب متى لاح له خيال اتبعه وترك ما كان عليه. وقسم مصمّم على الكفر مستقر فيه ، فهو مشبّه بمن ألقته الريح في واد سحيق ، وهو إيماء إلى أن من المشركين من شركه لا