فالتنكير في قوله (مَنْسَكاً) للإفراد ، أي واحدا لا متعددا ، ومحلّ الفائدة هو إسناد الجعل إلى ضمير الجلالة.
وقد دل على ذلك قوله : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) وأدلّ عليه التفريع بقوله (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). والكلام يفيد الاقتداء ببقيّة الأمم أهل الأديان الحق.
و (عَلى) يجوز أن تكون للاستعلاء المجازي متعلقة ب (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) مع تقدير مضاف بعد (عَلى) تقديره : إهداء ما رزقهم ، أي عند إهداء ما رزقهم ، يعني ونحرها أو ذبحها.
ويجوز أن تكون (عَلى) بمعنى : لام التعليل. والمعنى : ليذكروا اسم الله لأجل ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
وقد فرع على هذا الانفراد بالإلهية بقوله : (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) أي إذ كان قد جعل لكم منسكا واحدا فقد نبهكم بذلك أنه إله واحد ، ولو كانت آلهة كثيرة لكانت شرائعها مختلفة. وهذا التفريع الأول تمهيد للتفريع الذي عقبه وهو المقصود ، فوقع في النظم تغيير بتقديم وتأخير. وأصل النظم : فلله أسلموا ، لأن إلهكم إله واحد. وتقديم المجرور في (فَلَهُ أَسْلِمُوا) للحصر ، أي أسلموا له لا لغيره. والإسلام : الانقياد التام ، وهو الإخلاص في الطاعة ، أي لا تخلصوا إلا الله ، أي فاتركوا جميع المناسك التي أقيمت لغير الله فلا تنسكوا إلّا في المنسك الذي جعله لكم ، تعريضا بالرد على المشركين.
وقرأ الجمهور (مَنْسَكاً) ـ بفتح السين ـ وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بكسر السين ـ ، وهو على القراءتين اسم مكان للنّسك ، وهو الذبح. إلا أنه على قراءة الجمهور جار على القياس لأن قياسه الفتح في اسم المكان إذ هو من نسك ينسك ـ بضمّ العين ـ في المضارع. وأما على قراءة الكسر فهو سماعي مثل مسجد من سجد يسجد ، قال أبو عليّ الفارسي : ويشبه أن الكسائي سمعه من العرب.
(وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)).
اعتراض بين سوق المنن ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وأصحاب هذه الصفات هم المسلمون.