والمخبت : المتواضع الذي لا تكبّر عنده. وأصل المخبت من سلك الخبت. وهو المكان المنخفض ضد المصعد ، ثم استعير للمتواضع كأنه سلك نفسه في الانخفاض ، والمراد بهم هنا المؤمنون ، لأنّ التواضع من شيمهم كما كان التكبّر من سمات المشركين قال تعالى : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر : ٣٥].
والوجل : الخوف الشديد. وتقدّم في قوله تعالى : (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) في [سورة الحجر : ٥٢].
وقد أتبع صفة (الْمُخْبِتِينَ) بأربع صفات وهي : وجل القلوب عند ذكر الله ، والصّبر على الأذى في سبيله ، وإقامة الصلاة ، والإنفاق. وكلّ هذه الصفات الأربع مظاهر للتواضع فليس المقصود من جمع تلك الصفات لأن بعض المؤمنين لا يجد ما ينفق منه وإنما المقصود من لم يخل بواحدة منها عند إمكانها. والمراد من الإنفاق الإنفاق على المحتاجين الضعفاء من المؤمنين لأنّ ذلك هو دأب المخبتين. وأما الإنفاق على الضيف والأصحاب فذلك مما يفعله المتكبرون من العرب كما تقدّم عند قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : ١٨٠].
وهو نظير الإنفاق على الندماء في مجالس الشراب. ونظير إتمام الإيسار في مواقع الميسر ، كما قال النّابغة :
أني أتمم أيساري وأمنحهم |
|
مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما |
والمراد بالصبر : الصبر على ما يصيبهم من الأذى في سبيل الإسلام. وأما الصبر في الحروب وعلى فقد الأحبّة فمما تشترك فيه النفوس الجلدة من المتكبرين والمخبتين. وفي كثير من ذلك الصبر فضيلة إسلامية إذا كان تخلقا بأدب الإسلام قال تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ١٥٥ ـ ١٥٦] الآية.
(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦))
عطف على جملة (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) [الحج : ٣٤] أي جعلنا منسكا للقربان والهدايا ، وجعلنا البدن التي تهدى ويتقرب بها شعائر من شعائر الله.
والمعنى : أنّ الله أمر بقربان البدن في الحجّ من عهد إبراهيم عليهالسلام وجعلها