جزاء عما يترخص فيه من أعمال الحجّ. وأمر بالتطوع بها فوعد عليها بالثواب الجزيل فنالت بذلك الجعل الإلهي يمنا وبركة وحرمة ألحقتها بشعائر الله ، وامتن بذلك على الناس بما اقتضته كلمة (لَكُمْ).
والبدن : جمع بدنة بالتحريك ، وهي البعير العظيم البدن. وهو اسم مأخوذ من البدانة ، وهي عظم الجثّة والسمن ، وفعله ككرم ونصر ، وليست زنة بدنة وصفا ولكنها اسم مأخوذ من مادة الوصف ، وجمعه بدن. وقياس هذا الجمع أن يكون مضموم الدال مثل خشب جمع خشبة ، وثمر جمع ثمرة ، فتسكين الدال تخفيف شائع ، وغلب اسم البدنة على البعير المعيّن للهدي.
وفي «الموطأ» : «عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال : اركبها ، فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ، فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة» فقول الرجل : إنها بدنة ، متعين لإرادة هديه للحجّ.
وتقديم (الْبُدْنَ) على عامله للاهتمام بها تنويها بشأنها.
والاقتصار على البدن الخاص بالإبل لأنها أفضل في الهدي لكثرة لحمها ، وقد ألحقت بها البقر والغنم بدليل السنّة ، واسم ذلك هدي.
ومعنى كونها من شعائر الله : أنّ الله جعلها معالم تؤذن بالحج وجعل لها حرمة. وهذا وجه تسميتهم وضع العلامة التي يعلّم بها بعير الهدي في جلده إشعارا.
قال مالك في «الموطأ» : «كان عبد الله بن عمر إذا أهدى هديا من المدينة قلّده وأشعره بذي الحليفة ، يقلّده قبل أن يشعره ... يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ...» بطعن في سنامه فالإشعار إعداد للنحر.
وقد عدها في جملة الحرمات في قوله : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ) في سورة العقود [٢].
وتقديم (لَكُمْ) على المبتدأ ليتأتى كون المبتدأ نكرة ليفيد تنوينه التعظيم ، وتقديم (فِيها) على متعلّقه وهو (خَيْرٌ) للاهتمام بما تجمعه وتحتوي عليه من الفوائد.
والخير : النّفع ، وهو ما يحصل للناس من النفع في الدنيا من انتفاع الفقراء بلحومها وجلودها وجلالها ونعالها وقلائدها. وما يحصل للمهدين وأهلهم من الشبع من لحمها يوم