النّحر ، وخير الآخرة من ثواب المهدين ، وثواب الشكر من المعطين لحومها لربّهم الذي أغناهم بها.
وفرع على ذلك أن أمر الناس بأن يذكروا اسم الله عليها حين نحرها.
وصوافّ : جمع صافّة. يقال : صف إذا كان مع غيره صفّا بأن اتّصل به. ولعلّهم كانوا يصفّونها في المنحر يوم النّحر بمنى ، لأنه كان بمنى موضع أعدّ للنحر وهو المنحر.
وقد ورد في حديث مسلم عن جابر بن عبد الله في حجّة الوداع قال فيه : «ثم انصرف رسول الله إلى المنحر فنحر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده ثلاثا وستين بدنة جعل يطعنها بحربة في يده ثم أعطى الحربة عليّا فنحر ما غبر ، أي ما بقي وكانت مائة بدنة» وهذا يقتضي أنها كانت مجتمعة متقاربة.
وانتصب (صَوافَ) على الحال من الضمير المجرور في قوله (عَلَيْها). وفائدة هذه الحال ذكر محاسن من مشاهد البدن فإن إيقاف الناس بدنهم للنحر مجتمعة ومنتظمة غير متفرقة مما يزيد هيئتها جلالا. وقريب منه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف : ٤].
ومعنى (وَجَبَتْ) سقطت ، أي إلى الأرض ، وهو كناية عن زوال الروح التي بها الاستقلال. والقصد من هذا التوقيت المبادرة بالانتفاع بها إسراعا إلى الخير الحاصل من ذلك في الدنيا بإطعام الفقراء وأكل أصحابها منها فإنه يستحب أن يكون فطور الحاج يوم النحر من هديه ، وكذلك الخير الحاصل من ثواب الآخرة.
والأمر في قوله (فَكُلُوا مِنْها) مجمل ، يحتمل الوجوب ويحتمل الإباحة ويحتمل الندب ، وقرينة عدم الوجوب ظاهرة لأنّ المكلف لا يفرض عليه ما الداعي إلى فعله من طبعه. وإنما أراد الله إبطال ما كان عند أهل الجاهلية من تحريم أكل المهدي من لحوم هديه فبقي النظر في أنه مباح بحت أو هو مندوب.
واختلف الفقهاء في الأكل من لحوم الهدايا الواجبة.
فقال مالك : يباح الأكل من لحوم الهدايا الواجبة ، وهو عنده مستحبّ ولا يؤكل من فدية الأذى وجزاء الصيد ونذر المساكين ، والحجّة لمالك صريح الآية. فإنها عامة إلا ما قام الدّليل على منعه وهي الثلاثة الأشياء المستثناة.