المغايرة ، ولو كانا في معنى واحد لما عطف عليه كما لم يعطف في قوله (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج : ٢٨].
وجملة و (كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ) استئناف للامتنان بما خلق من المخلوقات لنفع الناس. والأمارة الدالة على إرادته ذلك أنه سخّرها للناس مع ضعف الإنسان وقوّة تلك الأنعام فيأخذ الرجل الواحد العدد منها ويسوقها منقادة ويؤلمونها بالإشعار ثم بالطعن. ولو لا أنّ الله أودع في طباعها هذا الانقياد لما كانت أعجز من بعض الوحوش التي هي أضعف منها فتنفر من الإنسان ولا تسخّر له.
وقوله (كَذلِكَ) هو مثل نظائره ، أي مثل ذلك التسخير العجيب الذي ترونه كان تسخيرها لكم.
ومعنى (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) خلقناها مسخرة لكم استجلابا لأن تشكروا الله بإفراده بالعبادة. وهذا تعريض بالمشركين إذا وضعوا الشكر موضع الشكر.
(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧))
(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ)
جملة في موضع التعليل لجملة (كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج : ٣٦] ، أي دلّ على أنّا سخرناها لكم لتشكروني أنه لا انتفاع لله بشيء من لحومها ولا دمائها حين تتمكنون من الانتفاع بها فلا يريد الله منكم على ذلك إلا أن تتّقوه.
والنيل : الإصابة. يقال ناله ، أي أصابه ووصل إليه. ويقال أيضا بمعنى أحرز ، فإن فيه معنى الإصابة كقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] وقوله : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) [التوبة : ٧٤].
والمقصود من نفي أن يصل إلى الله لحومها ودماؤها إبطال ما يفعله المشركون من نضح الدماء في المذابح وحول الكعبة وكانوا يذبحون بالمروة. قال الحسن : كانوا يلطخون بدماء القرابين وكانوا يشرّحون لحوم الهدايا وينصبونها حول الكعبة قربانا لله تعالى ، يعني زيادة على ما يعطونه للمحاويج.
وفي قوله : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) إيماء إلى أن