بالقتال ، فلما هاجر نزلت هذه الآية بعد بيعة العقبة إذنا لهم بالتهيّؤ للدفاع عن أنفسهم ولم يكن قتال قبل ذلك كما يؤذن به قوله تعالى عقب هذا : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ) [الحج : ٤٠].
والباء في (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) أراها متعلقة ب (أُذِنَ) لتضمينه معنى الإخبار ، أي أخبرناهم بأنهم مظلومون. وهذا الإخبار كناية عن الإذن للدفاع لأنك إذا قلت لأحد : إنك مظلوم ، فكأنك استعديته على ظالمه ، وذكرته بوجوب الدفاع ، وقرينة ذلك تعقيبه بقوله : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ، ويكون قوله : (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) نائب فاعل (أُذِنَ) على قراءة ضم الهمزة أو مفعولا على قراءة ـ فتح الهمزة ـ. وذهب المفسرون إلى أن الباء سببية وأن المأذون به محذوف دل عليه قوله (يُقاتَلُونَ) ، أي أذن لهم في القتال. وهذا يجري على كلتا القراءتين في قوله (يُقاتَلُونَ) والتفسير الذي رأيته أنسب وأرشق.
وجملة (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) عطف على جملة (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) أي أذن لهم بذلك وذكروا بقدرة الله على أن ينصرهم. وهذا وعد من الله بالنصر وارد على سنن كلام العظيم المقتدر بإيراد الوعد في صورة الإخبار بأن ذلك بمحل العلم منه ونحوه ، كقولهم : عسى أن يكون كذا ، أو أن عندنا خيرا ، أو نحو ذلك ، بحيث لا يبقى للمترقب شك في الفوز بمطلوبه.
وتوكيد هذا الخبر بحرف التوكيد لتحقيقه أو تعريض بتنزيلهم منزلة المتردد في ذلك لأنهم استبطئوا النصر.
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠))
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ)
بدل من (الَّذِينَ يُقاتِلُونَ) [الحج : ٣٩] ، وفي إجراء هذه الصلة عليهم إيماء إلى أن المراد بالمقاتلة الأذى ، وأعظمه إخراجهم من ديارهم كما قال تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : ١٩١].
و (بِغَيْرِ حَقٍ) حال من ضمير (أُخْرِجُوا) ، أي أخرجوا متلبسين بعدم الحق عليهم