والإتراف : إعطاء الترف ، وهو النعيم ورفه العيش ، أي ارجعوا إلى ما أعطيتم من الرفاهية وإلى مساكنكم.
وقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) من جملة التهكم. وذكر المفسرون في معنى (تُسْئَلُونَ) احتمالات ستة. أظهرها : أن المعنى : ارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعيم لتروا ما آل إليه فلعلكم يسألكم سائل عن حال ما أصابكم فتعلموا كيف تجيبون لأن شأن المسافر أن يسأله الذين يقدم إليهم عن حال البلاد التي تركها من خصب ورخاء أو ضد ذلك ، وفي هذا تكملة للتهكم.
وجملة (قالُوا يا وَيْلَنا) إن جعلت جملة (لا تَرْكُضُوا) معترضة على ما قررته آنفا تكون هذه مستأنفة استئنافا بيانيا عن جملة (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) كأن سائلا سأل عما يقولونه حين يسرعون هاربين لأن شأن الهارب الفزع أن تصدر منه أقوال تدل على الفزع أو الندم عن الأسباب التي أحلت به المخاوف فيجاب بأنهم أيقنوا حين يرون العذاب أنهم كانوا ظالمين فيقرون بظلمهم وينشئون التلهف والتندم بقولهم (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ).
وإن جعلت جملة (لا تَرْكُضُوا) مقول قول محذوف على ما ذهب إليه المفسرون كانت جملة (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) جوابا لقول من قال لهم (لا تَرْكُضُوا) علىوجه التهكم بهم ويكون فصل الجملة لأنها واقعة في موقع المحاورة كما بيّناه غير مرة ، أي قالوا : قد عرفنا ذنبنا وحق التهكم بنا. فاعترفوا بذنبهم. قال تعالى : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) في سورة [الملك : ١١].
(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥))
تفريع على جملة (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) [الأنبياء : ١٤] ، فاسم (تِلْكَ) إشارة إلى القول المستفاد من قوله تعالى (قالُوا يا وَيْلَنا) [الأنبياء : ١٤] ، وتأنيثه لأنه اكتسب التأنيث من الإخبار عنه بدعواهم ، أي ما زالوا يكررون تلك الكلمة يدعون بها على أنفسهم.
وهذا الوجه يرجح التفسير الأول لمعنى قوله تعالى (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) [الأنبياء : ١٣] لأن شأن الأقوال التي يقولها الخائف أن يكررها إذ يغيب رأيه فلا يهتدي للإتيان بكلام آخر ، بخلاف الكلام المسوق جوابا فإنه لا داعي إلى إعادته.
والمعنى : فما زالوا يكررون مقالتهم تلك حتى هلكوا عن آخرهم.